132

Sharh Lumat al-I'tiqad by Al-Mahmood

شرح لمعة الاعتقاد للمحمود

ژانرها

أدلة إثبات صفة الكلام لله جل وعلا من القرآن
ثم ذكر المصنف الأدلة على ذلك فقال: [قال تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤]] .
وقوله: (تكليمًا) مصدر مؤكد أن هذا التكليم حقيقي.
ثم قال: [وقال سبحانه: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ [الأعراف:١٤٤]] .
هذا يدل على أن الله كلمه بكلام مفهوم سمعه: أني اصطفيتك واخترتك على الناس برسالاتي وبكلامي.
وهذا يدل على أمرين: الأمر الأول: أن الله كلمه بذلك وقال له: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ﴾ [الأعراف:١٤٤] .
الأمر الثاني: أن الله اصطفاه برسالته، واصطفاه بكلامه، ولهذا سمي موسى كليم الله ﷾.
وقد ذكرنا أن العلم عند الله ﷾ في سبب تسمية موسى كليم الله، مع أن الله كلم محمدًا، وكلم آدم، لكن الله كلم موسى على الأرض، وهو على طبيعته البشرية، بخلاف تكليم الله لآدم فإنه كان وهو في السماء، وتكليم الله لمحمد كان عند أن عرج بروحه وجسده إلى السماء، أما تكليمه لموسى فكان وهو على الأرض، ولعل هذه خصوصية لموسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم.
ثم قال: [وقال سبحانه: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ [البقرة:٢٥٣]] .
يعني: الرسل، فهذه الآية هي عن رسل الله ﷾: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ [البقرة:٢٥٣]، وهذا واضح.
ثم قال: [وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى:٥١]] .
قوله: (إِلَّا وَحْيًا) المقصود به في هذه الآية كلام الله مباشرة؛ لأنه قال: ﴿أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا﴾ [الشورى:٥١]، ثم قال بعد ذلك ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى:٥١]، فهذه التقسيمات الثلاثة تدل على أن قوله: «إِلَّا وَحْيًا» هو تكليم الله ﷾ لعبده مباشرة.
ثم قال: [وقال سبحانه: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾ [طه:١١-١٢]] .
قوله: «فَلَمَّا أَتَاهَا»، أي النار (نُودِيَ)، والنداء لا يمكن أن يكون إلا بصوت، والذي ناداه وكلمه هو الله ﷾، وهذه الآية نص صريح في إثبات كلام الله لموسى، وأن كلامه له بصوت سمعه موسى.
ثم قال: [وقال سبحانه: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ [طه:١٤] وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله] .
أي: من تكليم الله لموسى أنه قال: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ [طه:١٢]، وأيضًا من تكليم الله له أنه قال: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ [طه:١٤] .
وبعض الذين تأولوا صفة الكلام لله يقول: إن الذي كلم موسى ملك، أو إن الشجرة هي التي سمع منها الكلام، وهذا التأويل باطل، ودليل بطلانه أنه لا يمكن أن تقول الشجرة: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ [طه:١٤]، أو يقول الملك: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ [طه:١٤]، ولو كان كلام الملك أو الشجر لقال: إنه هو الله فاعبده، أو إن ربك الله فاعبده، لكن أن يقول: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي﴾ [طه:١٤] فهذا نص صريح على أن هذا كلام الله جل وعلا، وقد ذكر هذا الدليل ابن قدامة نفسه في قوله: (وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله) .
ونكتفي بهذا، ونسأل الله ﷾ أن يوفقنا، وأن يهب لنا علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

6 / 16