شرح كتاب الإيمان - يوسف الغفيص
شرح كتاب الإيمان - يوسف الغفيص
ژانرها
الأدلة على أن الإيمان يزيد وينقص
أما دليله: فما جاء ذكره صريحًا في كتاب الله في عدة مواضع من ذكر لزيادة الإيمان، وأما النقصان فإنه كما قال الإمام أحمد وغيره: "إن الإيمان كما يزيد فإنه ينقص".
ولم يعبر بلفظ النقصان في القرآن، وإنما نفى الشارع الإيمان عمن ترك بعض الواجبات أو فعل بعض الكبائر، كقول النبي ﷺ في حديث أبي هريرة في الصحيحين: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) ونفي الاسم أبلغ من ذكر لفظ النقصان في هذا الفعل من الكبائر؛ لأن ذكر لفظ النقصان لا يلزم منه أن يكون الفعل من الكبائر، بخلاف نفي الاسم الشرعي؛ فإن القاعدة -كما نص عليها شيخ الإسلام وغيره-: "إن الله ورسوله لا ينفي اسم مسمى أمرٍ -أمر الله به ورسوله- إلا إذا ترك بعض واجباته".
فلما قال النبي ﷺ: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) دل هذا على أن الزاني قد فعل كبيرةً من الكبائر، وكذلك قوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له)
إلى أمثال ذلك، ولهذا كان قوله ﷺ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) دليلًا على أن قراءة الفاتحة لازمة في الصلاة إما ركنًا وإما وجوبًا على ما هو معروف.
[قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال قال: قال معاذ بن جبل لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة -يعني: نذكر الله-.
وبهذا القول كان يأخذ سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس يرون أعمال البر جميعًا من الازدياد في الإسلام؛ لأنها كلها عندهم منه، وحجتهم في ذلك ما وصف الله به المؤمنين في خمس مواضع من كتابه، منه قوله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:١٧٣] وقوله: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر:٣١] وقوله: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح:٤] وموضعان آخران قد ذكرناهما في الباب الأول، فاتبع أهل السنة هذه الآيات وتأولوها أن الزيادات هي الأعمال الزاكية].
بهذه الأدلة يعلم أن ذكر زيادة الإيمان صريح في كتاب الله ﷾، وقد سبق الإشارة إلى أصل جامع ذكره ابن تيمية ﵀ حيث قال: "وأصل نزاع هذه الفرق من الخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية وغيرهم، أنهم جعلوا الإيمان شيئًا واحدًا إذا زال بعضه زال جميعه"، أي: إن الأصل الذي تفرعت عنه جميع البدع في مسألة الإيمان، وخالف أصحابها قول السلف، هو: أنهم اعتبروا أن الإيمان واحد لا يزيد ولا ينقص، فعند الخوارج والمعتزلة أنه قول وعمل، لكنه لا يزيد ولا ينقص، فمن ترك واجبًا فيه فقد كفر -أو فسق عند المعتزلة- وعدم الإيمان.
وعند المرجئة يجعلونه هو التصديق، أو مع القول، أو القول وحده على حسب أقوال المرجئة، ويكون الإيمان عندهم واحدًا.
وقد تقدم أن في كتاب الله تصريحًا تامًا بزيادة الإيمان، وإن لم يكن هو الدليل الوحيد الدال على أن الإيمان يزيد وينقص، بل هو نوع من الأدلة، وإلا من الأدلة: الضرورة الشرعية؛ فإن الضرورة الشرعية تدل على أن المؤمنين ليسوا درجة واحدة، وهذا هو اللازم في حكم العقل؛ فإنه ما من شيء يؤمر به بنو آدم من الأمور الشرعية أو الدينية أو الدنيوية إلا ويتفاضلون فيه.
فهذا التفاضل ضرورة حسية قاطعة، وهي مدركة بضرورة العقل.
وعلى هذا يكون القول بتساوي الإيمان ممتنعًا في العقل والحس.
6 / 3