شرح كتاب الإيمان - يوسف الغفيص
شرح كتاب الإيمان - يوسف الغفيص
ژانرها
أحاديث تدل على أن العمل يدخل في مسمى الإيمان
[فظن الجاهلون بوجوه هذه الأحاديث أنها متناقضة لاختلاف العدد منها، وهي بحمد الله ورحمته بعيدة على التناقض، وإنما وجوهها ما أعلمتك من نزول الفرائض بالإيمان متفرقًا، فكلما نزلت واحدة ألحق رسول الله ﷺ عددها بالإيمان، ثم كلما جدد الله له منها أخرى زادها في العدد حتى جاوز ذلك السبعين كلمة، كذلك في الحديث المثبت عنه أنه قال: (الإيمان بضعة وسبعون جزءًا، أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)
قال أبو عبيد: حدثنا أبو أحمد الزبيري عن سفيان بن سعيد عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة بهذا الحديث.
وإن كان زائدًا في العدد فليس هو بخلاف ما قبله، وإنما تلك دعائم وأصول، وهذه فروعها زائدات في شعب الإيمان من غير تلك الدعائم.
فنرى والله أعلم أن هذا القول آخر ما وصف به رسول الله ﷺ الإيمان، لأن العدد إنما تناها به، وبه كملت خصاله، والمصدَق له قول الله ﵎: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة:٣].
قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب: أن اليهود قالوا لـ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه: (إنكم تقرءون آية لو نزلت فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، فذكر هذه الآية، فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت، وأي يوم أنزلت، أنزلت بعرفة، ورسول الله ﷺ واقف بعرف).
قال سفيان: وأشك أقال يوم الجمعة أم لا.
قال أبو عبيد: حدثنا يزيد عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار قال: تلا ابن عباس هذه الآية، وعنده يهودي، فقال اليهودي: لو أنزلت هذه الآية فينا لاتخذنا يومها عيدًا، قال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيد: يوم جمعة ويوم عرفة.
قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: نزلت عليه وهو واقف بعرفة حين اضمحل الشرك، وهدم منار الجاهلية، ولم يطف بالبيت عريان.
فذكر الله جل ثناؤه إكمال الدين في هذه الآية، وإنما نزلت فيما يروى قبل وفاة النبي ﷺ بإحدى وثمانين ليلة.
قال أبو عبيد كذلك: حدثنا حجاج عن ابن جريج.
فلو كان الإيمان كاملًا بالإقرار، ورسول الله ﷺ بمكة في أول النبوة كما يقول هؤلاء ما كان للكمال معنى، وكيف يكمل شيئًا قد استوعبه وأتى في آخره؟!
قال أبو عبيد: فإن قال لك قائل: فما هذه الأجزاء الثلاثة وسبعون؟ قيل له: لم تسم لنا مجموعة فنسميها، غير أن العلم يحيط أنها من طاعة الله وتقواه، وإن لم تذكر لنا في حديث واحد، ولو تفقدت الآثار لوجدت متفرقة فيها، ألا تسمع قوله في إماطة الأذى وقد جعله جزءًا من الإيمان؟ وكذلك قوله في حديث آخر (الحياء شعبة من الإيمان)، وفي الثالث (الغيرة من الإيمان)، وفي الرابع (البذاذة من الإيمان) وفي الخامس (حسن العهد من الإيمان).
فكل هذا من فروع الإيمان ومنه حديث عمار: (ثلاث من الإيمان: الإنفاق من الاقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السلام على العالم).
ثم الأحاديث المعروفة عند ذكر كمال الإيمان حين قال: (أي الخلق أعظم إيمانًا؟ فقيل: الملائكة، ثم قيل: نحن يا رسول الله، فقال: بل قوم يأتون بعدكم) فذكر صفتهم.
ومنه أيضًا قوله: (إن أكمل -أو من أكمل- المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا) وكذلك قوله: (لا يؤمن الرجل الإيمان كله حتى يدع الكذب في المزاح، والمراء وإن كان صادقًا) وقد روي مثله أو نحوه عن عمر بن الخطاب وابن عمر.
ثم من أوضح ذلك وأبينه حديث النبي ﷺ في الشفاعة حين قال: (فيخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، وبرة من إيمان، ومثقال ذرة) وإلا صولب.
ومنه حديثه في الوسوسة حين سئل عنها فقال: (ذلك صريح الإيمان) وكذلك حديث علي ﵇: (إن الإيمان يبدأ لمظة في القلب فكلما ازداد الإيمان عظمًا ازداد ذلك البياض عظمًا) في أشياء من هذا النحو كثيرة يطول ذكرها تبين لك التفاضل في الإيمان بالقلوب والأعمال، وكلها يشهد أو أكثرها أن أعمال البر من الإيمان، فكيف تعاند هذه الآثار بالإبطال والتكذيب؟!].
هذا كله تفصيل من المصنف في تقرير الدلائل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
4 / 22