آثار الذنوب والطاعات في نظر ابن القيم
إن الإمام ابن القيم رضوان الله عليه هو -كما قلنا- التلميذ النجيب للإمام ابن تيمية، وقد كان ابن القيم ﵀ يمشي مع تلميذ له على شاطئ في العراق، فسأله سؤالًا، فظل الإمام يتحدث، وتلميذه يبكي، ثم قال: ألقاك غدًا إن شاء الله.
وبعد ثلاثة أيام اكتشف التلميذ أن الإجابة هي عبارة عن كتاب سماه الإمام ابن القيم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)، والذي يقرأ كتاب (الجواب الكافي) للإمام ابن القيم يتوب عن الذنوب حقيقة، واقرءوا وجربوا؛ لأنه يبين ما تعمله الذنوب وما تعمله الحسنات، فالذنوب تجعل ظلمة في الوجه، وظلمة في القلب، وعدم قبول عند الناس، وعدم رضا من الله، وبها تدعو الملائكة على المذنب، ومن نتائج الذنوب الذنب بعد الذنب، فالذنب يجلب الذنب، إلى أن تخف وطأة الضمير أو يقظة الضمير، ويعتاد القلب على المعصية.
وأما الطاعة فنور في الوجه، وضياء في القلب، ومحبة في قلوب الناس، ودعاء الملائكة لك، وذكر الله ﷿ للطائع، ففي الحديث: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذرعًا، ومن تقرب إلي ذارعًا تقربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).
فالله ﷿ الغني ﷾ يتقرب إلى عبده الفقير، وإن تقرب الفقير إلى الغني أمر عادي، وتقرب الصغير إلى الكبير كذلك، أما أن الغني يتقرب ويتودد إلى الفقير، والقوي يتودد إلى الضعيف فتلك مسألة أخرى.
فالله -وهو الغني- يتودد إلينا نحن الفقراء، والله -وهو القادر- يتودد إلينا نحن الضعفاء، أليس في هذا عجب؟! يقول الله ﷻ: (إني والإنس والجن في نبإ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري، خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد، أتودد إليهم بالمغفرة وأنا أغنى الأغنياء عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أشد ما يكونون حاجة لي، أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل طاعتي أهل محبتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، من تاب إلي منهم فأنا حبيبه، ومن لم يتب فأنا طبيبه، الحسنة عندي بعشر أمثالها وقد أزيد، والسيئة عندي بواحدة وقد أعفو).
فالله ﷿ يخلق ويُعبَد غيره، يرزق ويُشْكَر غيره، مع أن الله ﷾ هو الرزاق ذو القوة المتين، وخيره إلى العباد نازل وشر العباد إليه صاعد.
إن ولدك إذا عصاك فإنك قد لا تقبله في بيتك، وأنت تعصي الله ليل نهار، ولا يطردك من ملكه، ولا يغضب على العبد أبدًا، فإذا كان العبد طائعًا وقال: (يا رب!) قال: لبيك يا عبدي.
وإن كان عاصيًا وقال: (يا رب!) قال: لبيك لبيك لبيك يا عبدي.
فسبحان الله، ولا إله إلا الله.
إنها رحمة عظيمة، فالناس يعصون ربهم وهو يرزقهم، وإذا عاد العبد إلى ربه لا يعاتبه على ما مضى، فكأن العبد يقول: يا رب! لقد أذنبت.
فيقول الله: عبدي وأنا قد علمت.
فيقول: يا رب! أنا قد تبت.
فيقول له: وأنا قد قبلت.
فيقول: يا رب! لن أعود، فيقول: وأنا سوف أشد عضدك في طاعتي لكي لا تعود.
ويروى أن رجلًا قال لموسى ﵇: يا موسى! عبدت الله عشرين سنة، وعصيته عشرين سنة، وأريد أرجع، فهل ينفع ذلك؟ فقال الله له: يا موسى! قل له: أطعتنا فأثبناك، وعصيتنا فأمهلناك، وتركتنا فما تركناك، ولو عدت إلينا على ما كان منك قبلناك.
فالعبد إذا عاد إلى الله قبل الله توبته، اللهم اقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، ويسر أمرنا، واغفر ذنبنا وزلتنا يا أرحم الراحمين.
1 / 3