الباب الثاني: في ابتداء الوحي قوله: «في ابتداء الوحي»: ابتداء كل شيء أوله، ولم يذكر في الباب إلا كيفية إتيان الوحي لا صفة ابتدائه، وكأنه رحمه الله تعالى أشار إلى أن ابتداء الوحي كان على هذه الكيفية المذكورة في الحديث، <01/12> وإنما قدم هذا الباب لأن أول الإيحاء هو أول الإطلاع على العلوم الشرعية فلا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي، وللوحي في اللغة ثمانية أوجه، منها: الإرسال كقوله تعالى: {انآ أوحينآ إليك كمآ أوحينآ إلىا نوح}[النساء: 163]، والمراد إرسال جبريل إليه، ومنها الإلهام، كقوله تعالى: { وأوحىا ربك إلى النحل}[النحل: 68]، {وأوحينآ إلىآ أم موسىآ}[القصص: 07]، والمعنى: ألهمها ذلك: ومنها الأمر، كقوله تعالى: {وإذ اوحيت إلى الحواريين}[المائدة: 111]، أي: أمرتهم، وهو في الحقيقة وحي بواسطة نبيئهم، ومنها البيان، كقوله تعالى: {من قبل أن يقضىآ إليك وحيه}[طه: 114]، أي: بيانه، ومنها الوسوسة، كقوله تعالى: {يوحي بعضهم, إلىا بعض}[المائدة: 112]، أي: يوسوس، ومنها الإيماء والإشارة، كقوله تعالى: { فأوحىآ إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا}[مريم: 11]، أي: أوحى وأشار، ومنها الإقرار، كقوله تعالى: {بأن ربك أوحىا لها}[الزلزلة: 05]، أي: أقرها بعد زلزالها، وقيل: أوحى إليها أن تقر، وقيل: أوحى لها أن تحدث أخبارها، أي: أمرها بذلك، وفي الحديث تشهد على كل عبد أو أمة بكل ما عمل على ظهرها وهذا هو الظاهر، ومنها أن يطلق على القرآن، كقوله تعالى: {قل انمآ أنذركم بالوحي }[الأنبياء: 45]، والمراد القرآن لأنه موحى، فهذه ثمانية أوجه وأصل الوحي بمعنى الإلقاء إلى الغير خيرا كان أو شرا، وقيل: أصله الكلام الخفي، ثم صار في العرف العام مختصا بالحال الذي يلقى إلى الأنبياء من جهة الرب عز وجل.
صفحه ۵