قوله: «آمنا»: أي: لا يحزنه الفزع الأكبر فهو من الذين سبقت لهم من الله الحسنى تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون، واختلف في الفزع الأكبر ما هو؟ فقيل: هو بيان لنجاتهم وأنه لا حزن عليهم يومئذ؛ لأنه إذا لم يحزنهم الفزع الأكبر فلا يحزنهم ما عداه بالضرورة، وكيف يحزن رجل تتلقاه الملائكة <01/44> عند خروجه من قبره، تقول له: {هذا يومكم الذي كنتم توعدون}[الأنبياء: 103]، وتقول له أيضا: {ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}[فصلت: 30]، وقد وصف الله تعالى حالهم بالنضارة والانتظار للفرج والرحمة في قوله: {وجوه يومئذ ناضرة الىا ربها ناظرة}[القيامة: 22-23]، وأي نضارة لوجه خائف حزين، وأي انتظار له، أما ورد من الأخبار في وصف الموقف بالأهوال العامة فهي والعياذ بالله لأهل الشقاء وقد يدخل المؤمن منها مع علمه بالنجاة فزع طبيعي وهيبة من مشاهدة الخوارق وعظم الأمر لكنه لا يحزنه لعلمه بالنجاة.
قوله: «ويرزق الورود على الحوض»: هو حوض النبيء صلى الله عليه وسلم، يرده المؤمنون قبل دخول الجنة وفي ما يظهر من الأحاديث أنه قبل الحساب من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا، وجاء في حديث أبي هريرة في باب الأمة قوله: "وليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، فأناديهم ألا هلم ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقا فسحقا"، وفي الحديث ذكر عملين وثوابين، فأما الأولان: فالعلم والعمل، وأما الأخيران: فالأمن وورود الحوض، وما أنسب الأمن بالعلم، حيث كان الكل قلبيا، وما أنسب الورود بالعمل، حيث كان الكل بدنيا على أنه لا سبيل لمعرفة ما في القلب إلا باللسان، فكان الجزاء موافقا للعمل.
صفحه ۴۴