قوله: «قال اجعلوها في سورة كذا وكذا ... الخ»: هذا تصريح بأن ترتيب القرآن واقتران آياته بعضها ببعض كان أمرا سماويا، وكذلك جمعه على هذا الحال كما يدل عليه قوله، وما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن مجموع متلو وكذلك يدل عليه ما مر في حديث الستة الجامعين للقرآن في حياة <01/34> النبيء صلى الله عليه وسلم، قال عكرمة: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه غير مجموع في موضع واحد، قال الخطابي: إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر، وقال الحاكم: جمع القرآن ثلاث مرات: إحداها بحضرة النبيء صلى الله عليه وسلم، قال زيد بن ثابت: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع، الثانية بحضرة أبي بكر، قال زيد بن ثابت: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن واجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن إلى آخر الحديث، وهذا جمع غير الجمع الأول فإنه كان مجموعا في أذهان الرجال على هذه الصفة ثم صار بعد ذلك مجموعا في المصاحف أيضا على هذه الصفة المخصوصة، والجمع الذي ذكره زيد بن ثابت في حضرة النبيء صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة وجمعها فيها بإشارة النبيء صلى الله عليه وسلم، وهذا عين ما رواه أبو عبيدة.<01/35>
ما جاء في إنزال القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا.
صفحه ۳۲