قوله: «إنا فتحنا لك فتحا مبينا»: فتح البلد عبارة عن الظفر به عنوة أو صلحا بخراج أو دونه، مأخوذ من فتح باب الدار فالبلد مادام لم يظفر به فهو مغلق، وقد اختلف العلماء في هذا الفتح، فقيل: صلح الحديبية وهو المناسب لما مر، قال موسى بن عقبة: قال: رجل عند منصرفهم من الحديبية ما هذا بفتح لقد صدونا عن البيت فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل هو أعظم الفتوح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ويسألونكم القضية ويرغبون إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا"، وقال الشعبي: في قوله: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}، هو فتح الحديبية لقد أصاب فيها ما لم يصب في غزوة غيرها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرضوان وأطعموا نخل خبير وبلغ الهدي محله وظهرت الروم على فارس ففرحت المؤمنون بظهور أهل الكتاب علي المجوس، وقال الزهري: لقد كان فتح الحديبية أعظم الفتوح، وذلك أن النبيء صلى الله عليه وسلم جاء إليها في ألف وأربعمائة <01/28> فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم على بعض وعلموا وسمعوا عن الله فما أراد أحد الإسلام إلا تمكن منه فما مضت تلك السنتان إلا والمسلمون قد جاءوا إلى مكة في عشرة آلاف، وقال مجاهد والعوفي: هو فتح خيبر، والأول قول الأكثر، وقيل المراد فتح مكة وغيرها من البلدان، وعلى هذا فيكون المراد بفتحنا: قضينا في الأزل أن مكة ستفتح بعد الحديبية، فهو إخبار عن القضاء الأزلي، ومنهم من قال: إنه بمعنى المضارع مجازا ،وعليه فهو وعد بالفتح وهذا من الضعف بمكان.
صفحه ۲۴