[book 1]
[chapter 1]
شرح جالينوس للمقالة الثانية من كتاب أبقراط المسمى إفيذيميا
المقالة الأولى
المقالة الأولى من تفسير جالينوس للمقالة الثانية من كتاب أبقراط المسمى إفيذيميا. ترجمة حنين بن إسحق.
قال أبقراط: الجمر الصيفي الذي كان بقرانون: جاءت أمطار جود مع حر الصيف كله وكان أكثر ما يكون مع الجنوب ويصير تحت الجلد صديد فإذا احتقن سخن وولد حكة ثم كانت تخرج فيه نفاخات شبيهة بحرق النار وكان يخيل إليهم أن ما دون الجلد يحترق احتراقا.
قال جالينوس: إن أبقراط وصف في المقالة الأولى أمر ثلاث حالات من حالات الهواء حدثت عنها أمراض ووصف في المقالة الثالثة من هذا الكتاب بعينه أمر حال واحدة وبائية. فقدم أولا في وصف تلك الحالات كلها صفة تغير الهواء المحيط بالأبدان وخروجه عن طبيعته ثم أتبع ذلك بصفة طبائع الأمراض التي حدثت لكثير من الناس عن تلك الحالات.
صفحه ۷۶
ولم يفعل ذلك في هذه المقالة على هذا المثال لكنه ذكر أولا المرض الذي حدث ثم ذكر الوقت الذي حدث فيه من أوقات السنة ثم ذكر البلد الذي حدث فيه ثم ذكر مزاج ذلك الوقت والخلط الذي تولد في أبدان الناس عن ذلك المزاج ثم وصف طريق فعل ذلك الخلط الذي به حدث السبب المولد للجمر ثم ذكر العرض الذي تقدم ذلك والعرض الذي كان معه في تلك الحال والعرض الذي حدث فيه بعد تزيده والعرض الذي حدث فيه عند بلوغه منتهاه.
والسبب في تقديمه ذكر المرض على خلاف عادته ثم ثنى به فذكر حال الهواء قصده للإيجاز فقد نجد الواضع لهذه المقالة أبقراط نفسه كان أو ثاسالوس ابنه حريصا على الإيجاز. ولا فرق عندي فيما نحن بسبيله بين أن يقال إن هذا الكتاب لأبقراط وبين أن يقال إنه لثاسالوس.
وأنا ملخص هذه الأشياء التي ذكرتها مجملا فأقول إن فاتحة هذه المقالة كأنه جعلها شبيهة بما تقدم من الرسم قبل الشيء الذي يقصد لصفته كأنه قال: «إن الجمر الذي حدث في الصيف بمدينة قرانون» ثم تقطع إذا قرأت هذا وتبتدئ من الرأس وتقرأ: «جاءت أمطار جود» حتى تفهم في هذا الكلام الأول من عندك أنه كان على هذه الجهة كأنه قال: «إن الجمر الصيفي الذي كان بقرانون كان على هذه الجهة: جاءت أمطار جود مع حر الصيف كله وكان أكثر ما يكون تلك الأمطار مع الجنوب».
صفحه ۷۸
«والجمرة» هي قرحة تكون من تلقاء نفسها وعليها خشكريشة في أكثر الأمر سوداء وربما كانت بلون الرماد. ويكون معها في المواضع التي تحيط بها حرارة شديدة حتى يحس من يلمسها منها بحرارة كثيرة فضلا عن أن يحسها صاحب القرحة. والمواضع أيضا التي حول الخشكريشة ليست بصادقة الحمرة كما يكون في الورم الحار الذي يسمى «فلغموني» لكنه يكون مائلا إلى السواد والصلابة أيضا فيه أزيد كثيرا.
وعلى هذه الصفة رأينا نحن الجمر الذي حدث بكثير من الناس بمدينة برغامس ورآه غيرنا في سائر مدن آسيا كلها إلا الخطاء كالذي خبرنا به من رآه. ولهذا منذ كان أربعون سنة لم ير فيها حدوث عام آخر شبيه بذلك من هذا الجمر. وكان ذلك الجمر الذي كان بعقب حال من الهواء جنوبية رطبة مع سكون من الرياح. وهذه هي جملة صفة الحال التي وصفها أبقراط أيضا فإنه قال: «إنه جاءت أمطار جود مع حر الصيف كله».
صفحه ۸۰
وحدوث المطر «في الصيف كله» خارج عن المجرى الطبيعي ولا سيما إذا كان المطر «جودا». فإن ذلك لو كان في الشتاء لجعل مزاجه مزاجا رديئا فإن كان مع ذلك حرا أعني ألا تهب رياح قوية فإن الحر لا يكون في الصيف إلا بهذا السبب فإن الآفة تكون أعظم. وذلك أمر قد كان عرض بقرانون فإنه قد كانت الرياح في ذلك الوقت وإن هبت في الأحايين فإنها إنما كانت تكون «جنوبية». وهذه الريح من أعون الرياح على إرخاء قوة البدن كما وصف أبقراط في كتاب الفصول وعلى أن تحدث أمراض العفونة. وقرانون أيضا هي مدينة من بلاد ثساليا من قبل أنها في وهدة وهي أيضا مع ذلك في ناحية الجنوب توافق ما كانت عليه تلك الحال من الإفراط.
ولذلك وقت تلك الحال من أوقات السنة الذي دل عليه بقول «الجمر الصيفي» يعني الجمر الذي كان حدث في الصيف على أن قوما فهموا من قوله هذا لا أنه كان في ذلك الوقت بل أنه يكون كذلك دائما وأن هذا أمر خاص لتوليد الجمر. ولا فرق في ذلك الجمر الذي كان في ذلك الوقت إذا كان تولد الجمر إنما شأنه أن يكون في الصيف أو كان إنما حدث بقرانون في الصيف.
صفحه ۸۲
فإن الذي يكتفي به هذا فقط أن تعلم من أمر حدوثه أن مزاج الهواء الذي حدث فيه كان حارا عديما للرياح رطبا. فقد نرى عيانا أن جميع الأجسام تعفن عند هذه الحال وإن لم نعلم السبب في ذلك. إلا أن أبقراط قد بين السبب في ذلك بقوله «ويصير تحت الجلد صديد فإذا احتقن سخن». فإن معنى قوله «احتقن» إنما هو أنه بقي في البدن داخلا فلم يستفرغ استفراغا ظاهرا للحس ولا استفراغا خفيا لكنه لبث داخلا فعفن ومن قبل ذلك سخن سخونة خارجة عن الأمر الطبيعي.
فلما كان ذلك «ولد» أولا «حكة» والحكة تكون من أخلاط لم تسخن سخونة شديدة جدا لكنها قد ابتدأت أن تسخن. فلما تمادى به الزمان ونفذ أرق ما كان في ذلك الخلط الذي عفن من أسخف أجزاء الجلد بسهولة واجتمع تحت الصفيحة الخارجة منه لكثافتها ولد «النفاخات». فأما الشيء الأغلظ من ذلك الخلط فإنه لم ينفذ إلى أن يبلغ إلى الصفيحة الخارجة من الجلد لكنه احتقن داخلا تحت الجلد واجتمع هناك فعفن وسخن سخونة شديدة حتى «كان يخيل إلى صاحبه أن ما دون الجلد يحترق احتراقا». ثم من بعد هذا فإن النفاخات كانت تتمدد من كثرة الرطوبة التي فيها وتتأكل من حدتها فتنقص. والجلد الذي من تحتها كان يحترق من ذلك الخلط المفرط الحر فيحدث منه فيه شبيه بالخشكريشة التي تحدث من الكي. وهذه الأشياء أشياء تعم جميع الجمر.
صفحه ۸۴
وأما الأشياء التي خصت ذلك الجمر الذي حدث في ذلك الوقت فكانت شدة إفراط الحرارة التي فيما دون الجلد وتولد النفاخات. وإنه ليس يجب ضرورة أن يتقدم حدوث الجمر حدوث النفاخات ولذلك عبر أبقراط عن هذه المعاني بألفاظ مختلفة الأزمان. فوصف الأعراض التي تعم الجمر بحدوثها دائما بألفاظ تدل على الوقت الحاضر منها قوله «ويصير تحت الجلد صديد» وقوله «فإذا احتقن سخن وولد حكة». فأما الأعراض التي خصت ذلك الجمر الذي كان في ذلك الوقت فلم يعبر عنها بمثل هذه الألفاظ لكنه عبر عنها بألفاظ تدل أنها إنما عرضت مع ذلك الجمر فقط من ذلك أنه قال في النفاخات: «كانت تخرج فيه نفاخات» وقال في الحرارة الخارجة عن الأمر الطبيعي: «وكان يخيل إليهم أن ما دون الجلد يحترق احتراقا.»
والعجيب أن هذه النسخة يعرفها جميع القدماء ولا يزال من فسر هذا الكتاب يبحث عن السبب الذي دعا أبقراط إلى أن يستعمل ألفاظا تدل على أزمان مختلفة. وتقدم أرطاميدوروس وأصحابه على أن غيروا هذه الألفاظ فجعلوها كلها تدل على زمان واحد على هذا المثال: «وكان يصير تحت الجلد صديد وكان إذا احتقن سخن وولد حكة».
صفحه ۸۶
وأنا مجمل قولي من أوله ثم أقطعه فأقول إن أبقراط دل بقوله «جاءت أمطار جود مع حر الصيف كله وكان أكثر ما يكون مع الجنوب» على السبب الذي يسمى «البادئ» الذي منه يكون تولد الجمر وهذا السبب هو سبب خارج عن الأبدان التي نالتها الآفة. ودل بقوله «ويصير تحت الجلد صديد» على السبب الذي يسمى «المتقادم» الذي منه يكون تولد الجمر وهو السبب الذي يحدث في البدن أولا. ودل بقوله «فإذا احتقن سخن» على الجهة التي بها يحدث ذلك السبب الجمر وذلك هو إفراط حرارة الخلط الغالب في البدن وغليانه بسبب العفونة. وسماه «صديدا» من قبل أنه كان خارجا عن الطبيعية خروجا رديئا خبيثا. فأما قوله «وولد حكة» فهو عرض يتقدم حدوث الجمر.
فأما ما بعد هذا فأعراض لزمت ذلك الجمر خاصة الذي حدث في ذلك الوقت وهي حدوث «النفاخات الشبيهة بحرق النار» وإحساس من الحرارة الشديدة فيما دون الجلد حتى «يخيل» إلى صاحب القرحة «أن ذلك الموضع منه يحترق احتراقا». وقد تقدم فدل على أنه يحدث منه إذا قرحة ذات خشكريشة منذ أول كلامه حين قال: «الجمر الصيفي الذي كان بقرانون». فإن اسم «الجمر» إنما يدل على قرحة هذه حالها مع التهاب يكون حولها كما قلت.
[chapter 2]
قال أبقراط: إذا كان حر ولم يكن معه مطر لم يحدث في الحميات عرق في أكثر الأمر. فإن جاء شيء من المطر في الحر ولو يسير كان العرق في الحميات أكثر.
صفحه ۸۸
قال جالينوس: إن هذا القول من أبقراط قول ينتفع به من علمه مفردا على حدته في أن يتقدم فينبئ بالعرق الحادث فإن تقدمة المعرفة بالعرق الكائن في الأمراض تكون من أعلام كثيرة وأحد تلك الأعلام هو الذي وصف.
وفي هذا القول أيضا دليل شاهد على صحة القول المتقدم الذي قال فيه: «ويصير تحت الجلد صديد فإذا احتقن سخن». وذلك لأنه متى كان مزاج الهواء يابسا انفشت ونفدت الرطوبات التي في البدن ومتى كان مزاج الهواء رطبا اجتمعت تلك الرطوبات فلم تنحل. وتلك الرطوبة تخرج من البدن في أوائل الحميات لا على طريق البحران فإن البحران لا يكون دون أن تنضج الأخلاط التي في البدن لكنها إنما تخرج من قبل أن البدن لا يطيق أن يحويها لكثرتها حتى تفيض وتندفق. ولذلك أضاف قوم إلى هذا القول شيئا مما يتلوه وهو قوله «في أوائل الأمر» فجعلوه آخر هذا الكلام وقوم جعلوا ذلك أول الكلام الذي يتلو هذا على هذا المثال:
[chapter 3]
قال أبقراط: منذ أوائل الأمر البحران يكون مع هذا أعسر مما يكون مع غيره إلا أنه على حال يكون أقل عسرا متى كان بسبب هذا ولم يكن بسبب حال المرض.
صفحه ۹۰
قال جالينوس: يعني أن أمراض من يصيبه العرق «منذ أول» مرضه يكون البحران فيه لا محالة عسرا إلا أن ما كان منها كذلك «بسبب حال المرض» «فعسر» البحران فيه «أزيد» وما كان إنما يحدث فيه منها العرق «في أوله » من قبل الهواء «فعسر» البحران فيه «أقل» يعني أن مدة هذه الأمراض وتطاولها تكون أقل.
[chapter 4]
قال أبقراط: الحميات المحرقة تكون في الأوقات الحارة أكثر وقد تكون في سائر الأوقات إلا أنها في الصيف تتزيد يبسا.
قال جالينوس: إنا نجد في بعض النسخ «⟨في⟩ الأوقات الحارة» ونجد في بعضها «في الأوقات الصيفية» ولا فرق بين الأمرين لأن المعنى في هذا القول معنى واحد وهو المعنى الذي وصفه في كتاب الفصول كليا وجزئيا أما الكلي فقوله: «والأمراض كلها تحدث في أوقات السنة كلها إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى أن يحدث ويهيج» وأما الجزئي فقوله: «فأما في الصيف فيعرض بعض هذه الأمراض ومحرقة».
صفحه ۹۲
فأما ما قاله في آخر هذا الكلام وهو قوله: «إلا أنها في الصيف تتزيد يبسا» فهذا معناه لقول إن الحمى المحرقة أبدا حارة يابسة إلا أنها في الأوقات الحارة الصيفية تكون أزيد يبسا لأن الرطوبة التي في أبدان أصحابها من حرارة تلك الأوقات تنفش وتنفد.
[chapter 5]
قال أبقراط: أكثر ما يتولد السبعي ووجع الفؤاد في الخريف.
قال جالينوس: إن في وقت الفواكه خاصة يتولد من فساد ما يؤكل منها ومعها من الأطعمة أنواع الدود في البطن وهي ثلاثة أحدها رقيق يكون فيما يلي الدبر شبيه بدود الخل والآخر غليظ مستدير شبيه بالحيات يكون في الأمعاء الرقاق والآخر عريض في جوفه قطع شبيه بحب القرع يكون في الأمعاء الغلاظ.
صفحه ۹۴
وأراد بقوله أبقراط أن يحصر هذه الأنواع الثلاثة في اسم واحد فسماها «السبعي» يعني الحيوان الخبيث. وقد قال قوم إنه يريد «بالسبعي» الجذام لأن اليونانيين يسمون الجذام باسم «الفيل» والفيل أحد الحيوانات الخبيثة المستطعمة فإن الجذام أيضا أكثر ما يكون في الخريف. وقال قوم إنه يريد «بالسبعي» الوسواس السوداوي لأن تلك العلة لا تجعل صاحبها في بدنه شبيها بالسبع كما يفعل الجذام لكن في نفسه ورأيه. وقال قوم إنه يريد «بالسبعي» السرطان لخبث السرطان وصعوبة أمره. وقال قوم إنه يريد شيئين من هذه أو أشياء منها أو كلها. ويجب ضرورة أن يقع مثل هذا الاختلاف في الكلام الغامض إذ كان معنى صاحبه فيه ليس يوقف عليه وقوفا صحيحا.
وأما وجع الفؤاد فقد اتفق عليه الجميع أنه عرض يعرض في فم المعدة الذي قد كان القدماء يسمونه باسم «الفؤاد» وهذا الوجع يكون بسبب الدود المتولد في البطن إذا ارتفع فصار في هذه الناحية من المعدة ويكون أيضا بسبب خلط رديء لذاع وهو الخلط الذي يكون منه الدود المتولد في البطن.
[chapter 6]
قال أبقراط: وما كان من هذا فهو أيضا أقل آفة من أن يكون المرض نفسه بهذه من الحال.
قال جالينوس: يعني أن هذا الوجع العارض في الفؤاد متى كان في الوقت المشاكل لحدوثه بمنزلة ما تقدم فوصفه كان أقل آفة من أن يكون بسبب المرض نفسه. وقد يوجد في بعض النسخ هذا الكلام على هذا المثال: «وما كان من هذين أيضا فهو أقل آفة من أن يكون المرض نفسه بهذه من الحال» حتى تفهم الآفة العارضة من العلتين اللتين ذكرهما وهما الدود ووجع الفؤاد. ومنفعة هذه الأقاويل كلها هي نافعة في الاستدلال على سلامة الأمراض وخبثها.
صفحه ۹۶
[chapter 7]
قال أبقراط: وحال الدود أيضا الصغير الذي يكون في أسفل الأمعاء بالعشي شبيهة بالحال في هذا وفي ذلك الوقت من اليوم يؤذي ذلك أيضا في أكثر الأمر لا من قبل أنه يوجد الوجع أزيد فقط ولكن بسببه خاصة أيضا.
قال جالينوس: يريد أن حال وقت «العشي» والمساء من اليوم كله مثل حال الخريف من السنة كلها وذلك أن وقت الغداة شبيه بالربيع والوقت الذي بعده شبيه بالصيف ووقت العشي كما قلت قبل شبيه بالخريف ووقت الليل شبيه بالشتاء. فحركة «الدود بالعشي» في قوله شبيهة بما تقدم والذي تقدم هو أن الدود أكثر ما يتحرك في الخريف.
وأما قوله في آخر الكلام «لا من قبل أنه يوجد الوجع أزيد لكن بسببه خاصة أيضا» فمعناه فيه ما أصف: يقول إن هذا الدود في ذلك الوقت من اليوم يكون أكثر ذلك لا من قبل أن أبدان الناس تجد الأوجاع في ذلك الوقت أزيد فقط ولكن من قبل أن الدود نفسه أيضا من شأنه في طبيعته أن يتحرك في ذلك الوقت.
صفحه ۹۸
[chapter 8]
قال أبقراط: أحد ما يكون الأمراض وأقتلها في الخريف وذلك شبيه بهيجانها بالعشي في أكثر الأمر لأن للسنة دورا من الأمراض مثل ما لليوم دور من المرض.
قال جالينوس: قد قيل معنى هذا الكلام فيما تقدم وهو أن أبقراط يريد أن بين السنة وبين اليوم مناسبة. وأعني «باليوم» في كلامي هذا الزمان الذي بين طلوع الشمس وبين غروبها لا كل الزمان الذي منذ طلوعها إلى أن تعود فتطلع وقد سمي ذلك «يوما وليلة».
[chapter 9]
قال أبقراط: الحال في كل واحد من أمزجة الهواء بعضها عند بعض شبيهة بالحال في هيجان المرض بالعشي ما لم يتجدد شيء في الطبيعة العليا فإنه إن كان ذلك كان هذا ابتداء حال أخرى فيجب أن تكون السنة بقياس نفسها على هذا المثال.
صفحه ۱۰۰
قال جالينوس: أما معنى هذا الكلام فليس بالغامض وذلك بسبب ما قيل فيما تقدم إلا أني أظن أن الألفاظ قد وقع فيها خطاء. فإنه إنما يريد أن حال الخريف في «مزاج الهواء» في كل واحدة من السنين شبيهة بحال كل واحد من الأمراض في «هيجانه بالعشي» وذلك يكون إذا حفظت السنة مزاجها على نظامه في أوقاتها. فقد قال في كتاب الفصول: «متى كان في أي وقت من أوقات السنة في يوم واحد مرة حر ومرة برد فتوقع حدوث أمراض خريفية». والأشياء التي «تتجدد في الطبيعة العليا» يعني في الهواء المحيط بالأبدان هي أمور مزاجه كما دل في أول هذه المقالة فيما ذكر من أمر الجمر الذي حدث بقرانون.
[chapter 10]
قال أبقراط: إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها وكان في كل وقت منها ما ينبغي أن يكون فيه كان ما يحدث فيها من الأمراض حسن النظام حسن البحران. وإذا كانت أوقات السنة غير لازمة لنظامها كان ما يحدث فيها من الأمراض غير منتظم سمج البحران من ذلك ما يكون بمدينة بارنثس متى نقص شيء أو زاد فيها إما من الرياح وإما من عدمها وإما من المطر وإما من عدمه وإما من الحر وإما من البرد ثم يكون الربيع في أكثر الأمر على أفضل حالات الصحة وأقل ما يحدث الموت.
صفحه ۱۰۲
قال جالينوس: أما الجزء الأول من هذا الكلام فقد قاله أبقراط بهذا اللفظ في كتاب الفصول إلا أنه في هذه المقالة أضاف إليه شاهدا محققا من مثال وصفه وهو قوله «من ذلك ما يكون بمدينة بارنثس متى نقص شيء أو زاد فيها» من الأشياء التي وصفها من أن الأمراض لا تبقى عند ذلك منتظمة فقد ينبغي أن تفهم هذا مضافا إلى قوله.
وأما قوله «وثم يكون الربيع على أفضل حالات الصحة وأقل ما يحدث الموت» فقد يمكن أن تفهم «في الربيع» نفسه فقط كأنه قال: «إن الربيع إنما صار أصح الأوقات لأنه ليس تحدث فيه تغايير عظيمة كما تحدث في الخريف» إلا أن هذا المعنى ليس بالمشاكل لما قصد له في هذا الكلام كله. ولذلك أقول إن الأجود أن هذا القول إنما هو شهادة مصححة للقول الكلي الذي تقدم من قول جزئي.
وقوله «وثم» يحتمل في لسان اليونانيين أن يكون معناه «من ثم» أي «من قبل ذلك» ويحتمل أن يكون معناه «هناك» فهو على المعنى الأول يقوم مقام «من قبل» وعلى هذا المعنى الثاني يقوم مقام «هناك» حتى يكون قوله كله في هذا الموضع على هذا المثال: «من ذلك ما يكون بمدينة بارنثس متى نقص شيء أو زاد» فسد نظام الأمراض الجاري في العادة على أن ذلك البلد أعني بارنثس من أصح البلدان ومن أعظم ما يستدل به على ذلك أن الربيع فيه «على أفضل حالات الصحة».
صفحه ۱۰۴
وقد حذف قوم من هذا الكلام قوله «وأقل ما» على أنه قد يوجد في جميع النسخ القديمة وقالوا إن قوله «وثم يكون الربيع على أفضل حالات الصحة» كلام داخل في الوسط فإذا عزل كان اتصال الكلام على هذا المثال: «من ذلك ما يكون بمدينة بارنثس متى نقص شيء أو زاد يحدث الموت على أن الربيع هناك على أفضل حالات الصحة».
[chapter 11]
قال أبقراط: ينبغي أن تتفقد الأمراض في أوائلها هل تبلغ منتهاها سريعا وذلك يتبين من تزيدها وتزيدها يعرف من أدوارها وأمر البحران أيضا من ذلك يعرف.
قال جالينوس: قد وقع في أول هذا الكلام بين النسخ اختلاف إلا أن معناه وإن كان الكلام مختلفا معنى واحد والجميع متفق عليه وهو أن أبقراط يتقدم إليك أن يكون أهم الأشياء إليك أن تتفقد وتنظر منذ أول الأمراض أمر «منتهاها» متى يكون. فإن أبقراط قال في كتابه في تدبير الأمراض الحادة: «إنما يقدر تدبير المريض كله بالنظر في هذا الباب» أعني في منتهى المرض متى يكون وقال: «إن ذلك ينفع في تدبير الأمراض ومن منتهى المرض يعرف أمر بحرانه أيضا».
صفحه ۱۰۶
وقد بحثت عن هذا القول بحثا شافيا واستقصيته عن آخره في كتابي في البحران وأنا واصف لك في هذا الموضع جملته وهي أن البحران التام لا يكون في وقت من الأوقات قبل منتهى المرض كما بينت في ذلك الكتاب. ولذلك يجب ضرورة على من أراد أن يعلم متى يكون هذا البحران أن يرتاض في تقدمة المعرفة بمنتهى المرض. وقد بين أبقراط ذلك في كتابه في تدبير الأمراض الحادة وإن بذلك يستدل على تقدير أمر الغذاء كله. ولذلك زاد في قوله أيضا فقال: «وأمر البحران من ذلك أيضا يعرف». وذلك أنه ليس هذه الفائدة فقط نستفيد من تقدمة المعرفة بمنتهى المرض متى يكون ولكنا قد نستفيد قبل ذلك منها فائدة أعظم من هذه وهي حسن تدبير المريض وتقدير أمر غذائه. وقد بينت أيضا في كتابي في البحران أن من الأمراض ما يأتي فيه البحران من قبل منتهاه لقوته وصعوبته فيكون ذلك البحران بحرانا رديئا.
[chapter 12]
قال أبقراط: ينبغي أن تقاس نوائب الحمى في أدوارها فينظر هل بعضها يتقدم بعضا تقدما أكثر أم لا وهل زمان لبثها أطول أم لا وهل هي أكبر أم لا.
صفحه ۱۰۸
قال جالينوس: إن أول هذا القول أيضا قد يوجد مختلفا في النسخ ويوجد قد أضيف إليه شيء من الكلام المتقدم إلا أن الذي ينتفع به في الطب من النسختين جميعا ما أنا واصفه وهو أن اسم الدور يجري في عادة اليونانيين على الشيء الذي يعود فيما بين أوقات متساوية. وقد استعمله الأطباء على طريق الاستعارة والتشبيه في نوائب الأمراض إذا كانت على هذا الطريق أعني إذا كانت بين أوقات محدودة. إلا أن ذلك الوقت ليس هو وقتا محدودا على الصحة لا متى كانت النوبة تكون في كل يوم ولا متى كانت تكون غبا أو ربعا وذلك أن في أكثر الأمر من عادة النوبة أن تتقدم قليلا أو تتأخر قليلا وربما لزمت وقتا واحدا بعينه على الصحة من النهار أو من الليل كان ابتداؤها فيه.
وهذه الأدوار إذا تمادى بها الزمان فليس يخلو من أن يبقى عدد الساعات فيها سواء أو يختلف. مثال ذلك أنه إن ابتدأت نوبة الحمى في اليوم الأول في الساعة الثامنة ثم ابتدأت في الثالث في الساعة السادسة ثم في الخامس في الرابعة فإن شكل هذه الحمى شكل حمى غب نوائبها تتقدم. وإذا كان ذلك تفقدت النوبة التي تكون في اليوم السابع فإنها لا يخلو أن يكون تقدمها على ما لم تزل بساعتين أو أكثر من ذلك أو أقل منه. فإن وجدت تقدمها إنما هو ساعتان على ما لم تزل علمت أن الحمى باقية على حالها التي كانت عليه منذ أول الأمر. وإن وجدت تلك النوبة قد تقدمت مكان ساعتين ثلاث ساعات علمت أنها قد زادت تقدما. وإن كان تقدمها مكان ساعتين ساعة علمت أنها قد تغيرت إلى ضد تلك الحال. وعلى هذين النوعين من التغيير دل أبقراط بقوله «فينظر هل بعضها يتقدم بعضا تقدما أكثر أم لا».
وقد يمكن إذا كانت النوبة تتقدم تقدما أكثر أن يكون زمان لبثها على المريض متساويا وأن يكون أزيد من المدة التي كانت تلبث وأن يكون أقل منها وعلى ذلك دل أبقراط بقوله «وهل زمان لبثها أطول أم لا». ويمكن أيضا أن تكون الحمى أقوى مما كانت وأن تكون أضعف وعلى ذلك دل أبقراط بقوله «وهل هي أكبر أم لا».
صفحه ۱۱۰
وعلى هذا القياس متى تأخرت النوبة عن وقتها بقياس الساعات التي كانت تبتدئ فيها قبل فقد يمكن أن تلبث مدة أطول وأقصر وأن تكون أقوى وأضعف. وقوة النوائب قد يمكن أن تكون بفعل شدة الحمى ويمكن أن تكون بقوة الأعراض أو بزيادة عددها. وكذلك أيضا ضعف النوائب يمكن أن يكون بنقصان عظم الحمى نفسها ويمكن أن يكون بنقصان عدد أعراضها أو بغضها. وتقدم نوبة الحمى إذا كانت أزيد بقياس ما تقدم من أوقاتها ومدة لبثها إذا كانت أزيد طولا وقوتها إذا كانت أشد وأعراضها إذا كانت أكثر أو أصعب فتلك علامات التزيد وأضداد هذه علامات انحطاط المرض وتنقصه.
[chapter 13]
قال أبقراط: إن مما يعم جميع الحميات الدائمة منها والمفارقة والمزمنة والجراحات والنفث المؤلم وأورام الخراجات وسائر ما يعرض بأخرة ولعله أيضا يعم أمورا أخر أن ما كان منها أسرع كان أقصر وما كان منها أبطأ كان أطول.
صفحه ۱۱۲
قال جالينوس: قد بينت في كتاب الفصول أنه يعني «بالحمى المفارقة» الحمى التي تقلع حتى ينقى البدن منها. والأمر بين في هذا الموضع أيضا أنه إنما يريد «بالمفارقة» هذا المعنى فإنه لم يرد بتسميتها «مفارقة» أن يفرق بينها وبين الحمى المطبقة التي يسميها اليونانيون «سونوخوس» لكنه أراد أن يفرق بينها وبين كل حمى لا تقلع حتى ينقى صاحبها منها لأن الحمى المطبقة يخصها هذا أن تلك الحمى ليس تكون فيها أدوار أصلا.
ثم ذكر بعد الحميات المفارقة «الحميات المزمنة». على أنه لم يذكر الحادة لكنه بذكره «الحميات الدائمة» دل على جنس الحميات الحادة لأنه محصور فيها. وقال إن في جميع هذه قد تدل الأعلام التي تقدم ذكرها على وقت منتهى المرض وأعني بقولي «هذه كلها» أصناف «الحميات» التي ذكرت وأصناف «الجراحات» وأصناف «النفث المؤلم» يعني بذلك الجراحات التي تكون في الصدر والأورام وذات الجنب والأمراض التي من جنس الأورام التي تكون في قصبة الرئة وفي الحنجرة «والخراجات والأورام».
صفحه ۱۱۴