يقول: "قلت فيه هذا نظر فإنه يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما" لذا سمى كتابه (المستدرك على الصحيحين) الاستدراك معناه التعقب، فكأنهما أخلا بما اشترطاه، هم من اشترطا الاستيعاب، ولم يشترطا أن يخرجا جميع ما صح، لا، فألزمهما بغير لازم، نعم كتابه نافع، وفيه أحاديث صحيحة كثيرة، وفيه الضعيف وفيه الموضوع، فهو واسع الخطو في شرطه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
وقد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين، قد يوجد فيها زيادات مفيدة، وأسانيد جيدة، كصحيح أبي عوانة، وأبوي بكر الإسماعيلي والبرقاني، وأبي نعيم الأصبهاني وغيرهم، وكتب أخر التزم أصحابها صحتها، كابن خزيمة، وابن حبان البستي، وهما خير من المستدرك بكثير، وأنظف أسانيد ومتونا.
وكذلك يوجد في مسند الإمام أحمد من الأسانيد والمتون شيء كثير مما يوازي كثيرا من أحاديث مسلم، بل والبخاري أيضا، وليست عندهما ولا عند أحدهما، بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة، وهم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وكذلك يوجد في معجمي الطبراني الكبير والأوسط، ومسندي أبي يعلى والبزار، وغير ذلك من المسانيد والمعاجم والفوائد والأجزاء ما يتمكن المتبحر في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير منه، بعد النظر في حال رجاله، وسلامته من التعليل المفسد، ويجوز له الإقدام على ذلك، وإن لم ينص على صحته حافظ قبله، موافقة للشيخ أبي زكريا يحيى النووي، وخلافا للشيخ أبي عمرو، وقد جمع الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في ذلك كتابا سماه (المختارة) ولم يتم، كان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم، والله أعلم.
وقد تكلم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على الحاكم في مستدركه فقال: وهو واسع الخطو في شرح الصحيح، متساهل بالقضاء به، فالأولى أن يتوسط في أمره، فما لم نجد فيه تصحيحا لغيره من الأئمة، فإن لم يكن صحيحا فهو حسن يحتج به، إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه.
صفحه ۲۳