شرح حَدِيث لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِهِ
(خرج الإِمَام أَحْمد)
وَالْحَاكِم من حَدِيث زيد بن ثَابت أَن النَّبِي ﷺ علمه دُعَاء وَأمره أَن يتَعَاهَد بِهِ أَهله كل يَوْم قَالَ قل حِين تصبح لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك ومنك وَبِك وَإِلَيْك اللَّهُمَّ مَا قلت من قَول أَو نذرت من نذر أَو حَلَفت من حلف فمشيئتك بَين يَدَيْهِ مَا شِئْت كَانَ وَمَا لم تشأ لم يكن وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك إِنَّك على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ وَمَا صليت من صَلَاة فعلى من صليت وَمَا لعنت من لعن فعلى من لعنت أَنْت ولي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة توفني مُسلما وألحقني بالصالحين
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الرِّضَا بعد الْقَضَاء وَبرد الْعَيْش بعد الْمَوْت وَلَذَّة النّظر إِلَى وَجهك وشوقا إِلَى لقائك من غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة أعوذ بك اللَّهُمَّ أَن أظلم أَو أظلم أَو أعتدي أَو يعتدى عَليّ أَو أكتسب خَطِيئَة محبطة أَو ذَنبا لَا
1 / 21
تغفره
اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام فَإِنِّي أَعهد إِلَيْك فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا وأشهدك وَكفى بك شَهِيدا أَنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك لَك الْملك وَلَك الْحَمد وَأَنت على كل شَيْء قدير وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك وَأشْهد أَن وَعدك حق ولقاءك حق وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق والساعة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَنَّك تبْعَث من فِي الْقُبُور وَأشْهد أَنَّك إِن تَكِلنِي إِلَى نَفسِي تَكِلنِي إِلَى ضَيْعَة وعورة وذنب وخطيئة وَإِنِّي لَا أَثِق إِلَّا بِرَحْمَتك فَاغْفِر لي ذَنبي كُله إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
1 / 22
قَوْله ﷺ لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك مَعْنَاهُ إِجَابَة لدعائك مرّة بعد مرّة وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ حَقِيقَة التَّثْنِيَة بل المُرَاد التكرير والتكثير والتوكيد كَقَوْلِه ﴿ثمَّ ارْجع الْبَصَر كرتين﴾ يَعْنِي مرّة مره بعد مرّة
وأصل كرم الله وَجهه من لب بِالْمَكَانِ إِذا لزمَه وَأقَام فِيهِ فَكَأَن الملبي يُجيب دَعْوَة الله وَيلْزم ذَلِك وَيَقْتَضِي أَيْضا سرعَة الْإِجَابَة مَعَ الدَّوَام عَلَيْهَا
وَقَوله وَسَعْديك يَعْنِي إسعادا بعد إسعاد وَالْمعْنَى طَاعَة بعد طَاعَة وَأَصله أَن الْمُنَادِي إِذا دَعَا غَيره فَإِن الْمُجيب لدعائه يجِيبه إسعادا لَهُ ومساعدة ثمَّ نقل ذَلِك إِلَى مُطلق الطَّاعَة حَتَّى اسْتعْمل فِي إِجَابَة دُعَاء الله ﷿ وَحكي عَن الْعَرَب سُبْحَانَهُ وسعدانه على معنى
1 / 23
أسبحه وأطيعه تَسْمِيَة الإسعاد لسعدان كَمَا سمي التَّسْبِيح لسبحان وَلم يسمع سعديك مُفردا
وَلَا شكّ أَن الله تَعَالَى يَدْعُو عباده إِلَى طَاعَته وَإِلَى مَا فِيهِ رِضَاهُ عَنْهُم وَمَا يُوجب لَهُم بِهِ سَعَادَة الْآخِرَة فَمن أجَاب دَعَاهُ واستجاب لَهُ فقد أَفْلح وأنجح قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ وَقَالَ تَعَالَى قَالَت رسلهم أَفِي الله شكّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى وَقَالَ حِكَايَة عَن الْجِنّ الَّذين اسْتَمعُوا الْقُرْآن يَا قَومنَا أجِيبُوا دَاعِي الله وآمنوا بِهِ يغْفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عَذَاب أَلِيم
1 / 24
وَلِهَذَا يَقُول الملبي فِي الْحَج لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك يَعْنِي إِجَابَة لدعائك وَطَاعَة لَك حَيْثُ دَعوتنَا إِلَى حج بَيْتك
وَكَانَ النَّبِي ﷺ يَقُول فِي دُعَاء الاستفتاح فِي الصَّلَاة وَقد قيل إِنَّه كَانَ يَقُوله فِي قيام اللَّيْل وَرُوِيَ أَنه كَانَ يَقُوله فِي استفتاح الْمَكْتُوبَة لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر كُله فِي يَديك وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك أَنا بك وَإِلَيْك تَبَارَكت وَتَعَالَيْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك // خرجه مُسلم // من حَدِيث عَليّ
1 / 25
ويروى من حَدِيث حُذَيْفَة مَرْفُوعا وموقوفا وَهُوَ أصح يَدْعُو مُحَمَّد ﷺ فَيَقُول لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر بيديك تَبَارَكت وَتَعَالَيْت لبيْك وحنانيك والمهتدي من هديت عَبدك بَين يَديك لَا ملْجأ وَلَا منجا مِنْك إِلَّا إِلَيْك تَبَارَكت رب الْبَيْت
فَإِذا كَانَ العَبْد فِي صبح كل يَوْم يَقُول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك وَسَعْديك فَإِنَّهُ يُرِيد بذلك أَنِّي أَصبَحت مجيبا لدعوتك مسرعا إِلَيْهَا مُقيما على طَاعَتك ممتثلا لأوامرك مجتنبا لنواهيك فَإِذا قَالَ هَذَا بِلِسَانِهِ فَالْوَاجِب أَن يتبع ذَلِك بِعَمَلِهِ ليَكُون مستجيبا لدَعْوَة الله قولا وفعلا
1 / 26
وَإِن قَالَ ذَلِك ثمَّ خَالفه بِعَمَلِهِ فقد كذب قَوْله عمله وَهُوَ جدير أَن يُجَاب كَمَا يُجَاب من حج بِمَال حرَام وَقَالَ لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك فَيُقَال لَا لبيْك وَلَا سعديك
وَفِي بعض الْآثَار أَن الله ﷿ يُنَادي كل يَوْم ابْن آدم مَا أنصفتني أذكرك وتنساني وأدعوك إِلَيّ وَتذهب إِلَى غَيْرِي وأذهب عَنْك البلايا وَأَنت معتكف على الْخَطَايَا ابْن آدم مَا اعتذارك غَدا إِذا جئتني
1 / 27
كم دعَاك إِلَى بَابه فَمَا أجبْت وَلَا لبيت كم استدعاك إِلَى جنابه فَقَعَدت وأبيت كم عرضت عَلَيْك واجباته فتكاسلت وتوانيت وزجرت عَن منهياته فَمَا انزجرت وتماديت كم سَمِعت دُعَاء دَاعِي الْحق فتصاممت وَكم رَأَيْت آيَاته فِي الْخلْوَة فتعاميت
فيا من جسده حَيّ وَقَلبه ميت يَا ليتك أجبْت مُنَادِي الْهدى حِين ناداك ياليت شعر
يانفس وَيحك قد أَتَاك هداك ... أجيبي فداعي الْحق قد ناداك
كم قد دعيت إِلَى الرشاد فتعرضي ... وأجبت دَاعِي الغي حِين دعَاك
طُوبَى لمن أجَاب دَاعِي الهداة إِذا دَعَاهُ ياقومنا أجِيبُوا دَاعِي الله
وَقَوله ﷺ وَالْخَيْر فِي يَديك إِشَارَة إِلَى أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا يَدْعُو عباده إِلَى مَا هُوَ خير لَهُم مِمَّا يصلح دينهم
1 / 28
ودنياهم وآخرتهم فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام ويدعوهم ليغفر لَهُم ذنوبهم فَإِذا سارع العَبْد إِلَى إِجَابَة دَعْوَة ربه بتلبيته والإستجابة لَهُ قَالَ مَعَ ذَلِك وَالْخَيْر فِي يَديك إِشَارَة إِلَى أَنِّي أستجيب دعوتك طَمَعا فِي نيل الْخَيْر الَّذِي كُله بيديك وَأَنت لَا تَدْعُو العَبْد إِلَّا إِلَى مَا هُوَ خير لَهُ فِي دُنْيَاهُ وآخرته
يَا هَذَا لَو دعَاك مَخْلُوق ترجو خَيره لَأَسْرَعت إجَابَته مَعَ أَنه لَا يملك لَك وَلَا لنَفسِهِ ضرا وَلَا نفعا فَكيف لَا تسارع إِجَابَة من الْخَيْر كُله فِي يَدَيْهِ وَلَا يَدْعُوك إِلَّا لخير يوصله إِلَيْك
وَقَوله ﷺ ومنك وَبِك وَإِلَيْك يحْتَمل أَن مُرَاده الْخَيْر مِنْك كُله وَبِك وَإِلَيْك يَعْنِي أَن مبدأ الْخَيْر مِنْك كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله﴾
وَقَالَ وسخر لكم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الارض جَمِيعًا مِنْهُ فَالله تَعَالَى هُوَ المبتدىء بِالْخَيرِ فَمِنْهُ بَدَأَ وَنَشَأ وَالْخَيْر بِهِ يَعْنِي أَن دَوَامه واستمراره وثبوته بِاللَّه وَلَو شَاءَ الله لنزعه وسلبه صَاحبه وَقد قَالَ تَعَالَى
1 / 29
لنَبيه ﷺ ﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك ثمَّ لَا تَجِد لَك بِهِ علينا وَكيلا إِلَّا رَحْمَة من رَبك إِن فَضله كَانَ عَلَيْك كَبِيرا﴾ يَعْنِي أَن دوَام هَذِه النِّعْمَة عَلَيْك من الله كَمَا أَن ابتداءها مِنْهُ
وَالْخَيْر إِلَيْهِ أَنه يرجع بِصَاحِبِهِ إِلَى الله فِي الْآخِرَة إِلَى جواره وقربه فِي جنَّات النَّعيم فينتهي الْخَيْر بِصَاحِبِهِ إِلَى الله ﷿
وَيحْتَمل أَن المُرَاد بقوله ومنك وَبِك وَإِلَيْك أَن العَبْد نَفسه من الله وَبِاللَّهِ وَإِلَى الله كَمَا فِي الإستفتاح أَنا بك وَإِلَيْك وَلَعَلَّ هَذَا أظهر فَيكون معنى الْكَلَام أَن العَبْد وجوده من الله فَإِنَّهُ كَانَ عدما فأوجده ربه وخلقه وَهُوَ فِي حَال وجوده فِي الدُّنْيَا بِاللَّه أَي أَن ثباته وقيامه بِاللَّه فلولا أَن الله يُقيم الْوُجُود وَمَا فِيهِ من أَنْوَاع الْخلق لهلك ذَلِك
1 / 30
كُله وَتلف وَمن أَسْمَائِهِ الْحَيّ القيوم وَقَالَ إِن الله يمسك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا وَفِي الْأَثر الْمَعْرُوف فِي قصَّة القارورتين يَا مُوسَى لَو نمت لسقطت السَّمَاء على الأَرْض
وَبعد إنتقال الْعباد من هَذِه الدَّار فَإِن مرجعهم إِلَى الله كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿إِلَيْهِ مرجعكم جَمِيعًا﴾ وَقَالَ ﴿ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون﴾ فِي آيَات كَثِيرَة
1 / 31
وَفِي هَذَا الْمَعْنى قَالَ بعض العارفين حَقِيقَة التَّوْحِيد أَن يكون العَبْد قَانِتًا لله ﷿ يرى الْأَشْيَاء كلهَا مِنْهُ وَبِه وَإِلَيْهِ كَمَا قَالَ عَامر بن عبد قيس مَا نظرت إِلَى شَيْء إِلَّا ورأيته يدل على الله
قَوْله ﷺ اللَّهُمَّ مَا قلت من قَول أَو نذرت من نذر أَو حَلَفت من حلف فمشيئتك بَين يَدَيْهِ مَا شِئْت كَانَ وَمَا لم تشأ لم يكن وَلَا حول وَلَا قُوَّة إلابك إِنَّك على كل شَيْء قدير ذكر الْخطابِيّ فِي كتاب الدُّعَاء لَهُ أَن قَوْله
1 / 32
فمشيئتك رُوِيَ بِضَم التَّاء وَفتحهَا وَأَن من رَوَاهُ بِالضَّمِّ فَإِن الْمَعْنى الإعتذار بسابق الأقدار العائقة عَن الْوَفَاء بِمَا ألزم العَبْد نَفسه من النذور والأيمان قَالَ وَفِي هَذَا طرف من الْجَبْر قَالَ وَالصَّوَاب رِوَايَة من رَوَاهُ بِفَتْح التَّاء على إِضْمَار فعل كَأَنَّهُ قَالَ فَإِنِّي أقدم مشيئتك فِي ذَلِك وأنوي الإستثناء طرحا للحنث عني عِنْد وُقُوع الْحلف
قَالَ وَفِيه حجَّة لمن ذهب مَذْهَب المكيين فِي جَوَاز الإستثناء مُنْفَصِلا عَن الْيَمين
قلت الصَّوَاب هَذَا الْمَعْنى على كلا الرِّوَايَتَيْنِ أَعنِي رِوَايَة الضَّم وَرِوَايَة الْفَتْح
1 / 33
وَلَيْسَ المُرَاد بِرِوَايَة الضَّم الإعتذار بِالْقدرِ وَإِنَّمَا الْمَعْنى فمشيئتك بَين يَدي ذَلِك كُله مُقَدّمَة فَهُوَ مُبْتَدأ حذف خَبره
وَيشْهد لهَذَا الْمَعْنى مَا أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه كَانَ يَقُول من قَالَ حِين يصبح اللَّهُمَّ مَا حَلَفت من حلف أَو قلت من قَول أَو نذرت من نذر فمشيئتك بَين يَدي ذَلِك كُله مَا شِئْت كَانَ وَمَا لم تشأ لم يكن اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَتجَاوز عني اللَّهُمَّ فَمن صليت عَلَيْهِ فَعَلَيهِ صَلَاتي وَمن لعنت فَعَلَيهِ لَعْنَتِي كَانَ فِي اسْتثِْنَاء يَوْمه ذَلِك
فقد صرح أَبُو دَاوُد بِأَن المُرَاد بِهَذَا الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ أَنه يكون اسْتثِْنَاء فِي يَوْمه ذَلِك يَعْنِي فِيمَا يحلف وينذره ويقوله فِي ذَلِك الْيَوْم
1 / 34
وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه يكون اسْتثِْنَاء فِي مَا يستقبله من الْكَلَام فِي يَوْمه ذَلِك
وَأما قَول الْخطابِيّ أَنه يمْنَع الْحِنْث كَقَوْل من يَقُول ذَلِك فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل بعد الْكَلَام كَمَا حَكَاهُ عَن المكيين فَأصل ذَلِك أَنه قد رُوِيَ عَن المكيين كعطاء وَمُجاهد وَعَمْرو بن دِينَار وَابْن جريج وَغَيرهم أَنه ينفع الِاسْتِثْنَاء بعد مُدَّة من الْيَمين
وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبن عَبَّاس من وُجُوه وَقد طعن فِيهَا كلهَا غير وَاحِد مِنْهُم القَاضِي إِسْمَاعِيل الْمَالِكِي والحافظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَله فِي ذَلِك مُصَنف مُفْرد
1 / 35
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت﴾ قَالَ هِيَ خَاصَّة للنَّبِي ﷺ دون غَيره
خرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه ضَعِيف
وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن جريج أَيْضا
وَقَالَت طَائِفَة إِنَّمَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ أَن هَذَا الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل يحصل بِهِ إمتثال قَوْله ﷿ ﴿وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت﴾ وَسبب نُزُولهَا أَن قوما سَأَلُوا النَّبِي ﷺ عَن قصَّة قَالَ غَدا أخْبركُم وَلم يقل إِن شَاءَ الله فاحتبس الْوَحْي عَنهُ مُدَّة ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة
1 / 36
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن سُلَيْمَان ﵇ قَالَ لأطوفن اللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة الحَدِيث
وَفِي الحَدِيث أَن بني إِسْرَائِيل لَو لم يَقُولُوا إِن شَاءَ الله مَا اهتدوا أبدا يَعْنِي إِلَى الْبَقَرَة الَّتِي أمروا بذبحها
وَفِي الحَدِيث الَّذِي فِي الْمسند وَالسّنَن أَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج يحفرون كل يَوْم السد حَتَّى يكادوا يرَوا مِنْهُ شُعَاع الشَّمْس ثمَّ يَنْصَرِفُونَ وَيَقُولُونَ غَدا نفتحه فَإِذا رجعُوا من الْغَد وجدوه كَمَا كَانَ أَولا حَتَّى يَأْذَن الله فِي فَتحه فَيَقُولُونَ غَدا نفتحه إِن شَاءَ الله فيرجعون فيجدونه كَمَا
1 / 37
تَرَكُوهُ فيفتحونه
قَالَ إِبْرَاهِيم بن أدهم قَالَ بَعضهم مَا سَأَلَ السائلون مَسْأَلَة هِيَ أنجح من أَن يَقُول العَبْد مَا شَاءَ الله قَالَ يَعْنِي بذلك التَّفْوِيض إِلَى الله
وَكَانَ مَالك بن أنس كثيرا يَقُول مَا شَاءَ الله مَا شَاءَ الله فَعَاتَبَهُ رجل على ذَلِك فَرَأى فِي مَنَامه قَائِلا يَقُول أَنْت المعاتب لمَالِك على قَوْله مَا شَاءَ الله لَو شَاءَ مَالك أَن يثقب الْخَرْدَل بقوله مَا شَاءَ الله فعل
1 / 38
قَالَ حَمَّاد بن زيد جعل رجل لرجل جعلا على أَن يعبر نَهرا فَعبر حَتَّى إِذا قرب من الشط قَالَ عبرت وَالله فَقَالَ لَهُ الرجل قل إِن شَاءَ الله فَقَالَ شَاءَ الله أَو لم يَشَأْ قَالَ فَأَخَذته الأَرْض
فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يخبر بِفعل يَفْعَله فِي الْمُسْتَقْبل إِلَّا أَن يلْحقهُ بِمَشِيئَة الله فَإِنَّهُ مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَالْعَبْد لَا يَشَاء إِلَّا أَن يَشَاء الله لَهُ فَإِذا نسي هَذِه الْمَشِيئَة ثمَّ تذكرها فَقَالَهَا عِنْد ذكرهَا وَلَو بعد مُدَّة فقد امتثل مَا أَمر بِهِ وَزَالَ عَنهُ الْإِثْم وَإِن كَانَ لَا يرفع ذَلِك عَنهُ الْكَفَّارَة وَلَا الْحِنْث فِي يَمِينه وَلِهَذَا فِي كَلَام أبي الدَّرْدَاء اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَتجَاوز عني فَلم يسْأَل إِلَّا رفع الْإِثْم دون رفع الْكَفَّارَة
1 / 39
رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت﴾ قَالَ يَقُول إِذا حَلَفت فنسيت الِاسْتِثْنَاء فَاسْتَثْنِ إِذا ذكرت وَلَو بعد خَمْسَة أشهر أَو سِتَّة أشهر فَإِنَّهُ يجْزِيك مَا لم تَحنث خرجه آدم بن أبي إِيَاس فِي تَفْسِيره
وعَلى هَذَا حمل قَول ابْن عَبَّاس وَأَصْحَابه طَائِفَة من الْعلمَاء مِنْهُم أَبُو مَسْعُود الْأَصْبَهَانِيّ الْحَافِظ وَابْن جرير الطَّبَرِيّ
وَكَذَا يُقَال فِي هَذَا الحَدِيث من تقدم الِاسْتِثْنَاء فَإِن تَقْدِيمه أبعد من تَأْخِيره عَن الْيَمين فَإِن الْيَمين لم تُوجد بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي تَأْخِيره وجدت
1 / 40