الشرح: إنما ابتدأ بهذا الفصل لأنه يتكلم في هذه المقالة في قوانين الأهوية؛ والأهوية تختلف باختلاف أوقات B السنة، وباختلاف الرياح، وباختلاف المساكن، وباختلاف ما يخالطها. إلا أن اختلافها باختلاف المخالط غير مضبوط، فلهذا حذف الكلام فيه. وأما البلدان فيعرف حكمها من أحكام الرياح لأن البلاد الشمالية كالرياح الشمالية، وكذلك الجنوبية كالجنوبية، والمشرقية كالرياح المشرقية، والمغربية كالمغربية. وقد ذكر في هذه المقالة الأسنان والطبائع، لأن الهواء وإن كان واحدا فإنه يختلف تأثيره باختلاف ذلك، لأن الفعل كما يختلف باختلاف الفاعل كذلك يختلف باختلاف القائل، واختص الكلام في أوقات السنة بالابتداء لأنها لازمة للأهوية إذ يستحيل أن يكون تأثير الهواء في زمان من السنة. وأما الأسنان والطبائع وإن كانت لازمة ولكن لا للأهوية بل للقوائل فكان الكلام في أوقات السنة أولى بالتقدم وكان هذا الفصل منها أولى بالتقدم لاشتماله على إثبات أصل تأثير الأوقات. واعلم أن أوقات السنة A تؤثر في أبدان الناس لا لأنها أزمنة، بل لما يلزمها من تغيير الهواء في الحر والبرد وغير ذلك. قوله: إن انقلاب أوقات السنة مما يعمل في توليد الأمراض. قد فهم جالينوس من الانقلاب هاهنا الانقلاب عن الطبيعة الأصلية، أي خروج الفصول عن طبائعها. قال: لأن الانقلاب الفصلي كما يعمل في توليد الأمراض يعمل في توليد الصحة. قوله: خاصة وفي الوقت الواحد منها التغيير الشديد في الحر وفي البرد. معناه: وخصوصا حال كون الوقت الواحد من تلك الأوقات الفصلية فيه التغيير الشديد. واعلم أن كون انقلاب الفصول يعمل في توليد الصحة لأننا في قولنا: إن انقلاب الفصول يعمل (123) في توليد الأمراض، فإن قولنا: إن كذا (124) يولد كذا؛ لا ينافي كونه مولدا لغيره. قوله: وكذلك في سائر الحالات على هذا القياس. أي أن سائر الحالات كالمطر والقحط واليبوسة والرطوبة، فإن هذه إذا تغيرت عن مقتضى طبائع الفصول تغيراB شديدا كان إنجابها للأمراض كإنجاب التغير الشديد في الحر والبرد. وأما أن انقلاب الفصول عن طبائعها يوجب الأمراض؛ فلأنه خروج عن الأمر الطبيعي، فتغير الأبدان تغيرا مفرطا وذلك هو المرض، ولو قوي عن ذلك لأوجب الموت. واعلم أن العمدة في ذلكعلى الاستقراء. بقي هاهنا إشكال وهو تخصيصه ذلك بأنه في الوقت الواحد مع أنه لو كان ذلك التغير في أوقات كثيرة كان تأثيره أقوى منه إذا لم يدم. قلنا: إنما خصص ذلك بالوقت الواحد لأنه قد يخرج فصول عن طبائعها ولا يوجب ذلك أمراضا، وذلك إذا كان خروجها متضادا فإن أحدها يعدل جناية (125) الآخر.
[aphorism]
قال أبقراط: إن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود، وفي الشتاء أردأ (126)؛ ومنها ما يكون حاله في الشتاء أجود وفي الصيف أردأ (127).
[commentary]
صفحه ۱۲۴