الشرح: اتفق الشراح على أن المراد بهذا الفصل هو ما كان ذكره في فصل "إلا أن يكون المرض مهياجا، وليس يكاد في أكثر الأمر أن يكون المرض مهياجا" قالوا وإنما زاد هاهنا: "وإنما ينبغي أن تفعل ذلك بعد أن تتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي " أي من تفتيح المجاري وتليين الطبيعة، وبالجملة تسهيل إخراج المادة، وهذا الكلام في غاية الفساد وذلك لأنه كان يمكنه أن يذكر هذه الزيادة في آخر ذلك الفصل، بل الحق أن هذا أعم من ذلك، وذلك لأنه قد يحتاج إلى الاستفراغ في أول المرض الحاد لوجوه: أحدها: أن يكون مهياجا. وثانيها: أن تكون المادة كثيرة فنخاف استيلائها على الطبيعة في مدة الإنضاج فيكون ضرر ذلك أعظم من ضرر استفراغها غير نضيجة. وثالثها: أن تكون القوة ضعيفة جدا فلا يفي بالصبر على المرض إلى A وقت النضج. ورابعها: أن تكون المادة رديئة جدا فنخاف إفسادها للمزاج أو لبعض الأعضاء لو بقيت إلى وقت النضج، كالخراج الفاسد المادة فإنا قد نفجره قبل النضج خوفا من إماتته للعضو. وخامسها: أن تكون المادة دائمة الانصباب إلى العضو المأووف فنخاف عظم الضرر به، فنستفرغه قبل النضج، كما نفجر الخراج قبل النضج إذا كانت المادة مستمرة الانصباب إلى العضو الوارم. وسادسها: أن يكون ذلك لغرض التنقيص من المادة لقبول الطبيعة على الباقي لا لاستئصالها بالكلية. وفي هذه الأحوال كلها لا يجوز الاستفراغ إلى أن يبلغ الغشي، وإن كان من النوع الذي ينبغي وكان البدن محتملا له بسهولة لأن الغشي يلزمه ضعف القوة فنكون قد ناقضنا موجب الاستفراغ قبل النضج. قوله: "وإنما ينبغي أن تفعل ذلك بعد أن تتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي" معناه أنه إنما يجوز B ذلك بعد التوقي والاحتياط في تفتيح الطرق والاحتراز من مقارنة مانع أو مؤذ، لأن هذا الاستفراغ على خلاف الواجب فوجب أن يكون بتوق وحذر، ولا شك أن ما يؤمر فيه بالتوقي والحذر لايجوز أن يبلغ فيه إلى الغشي، وهذا وجه ذكر هذا الفصل في هذا الموضع (40)؛ لأنه لما بين أنه حيث ينبغي فليكن الاستفراغ إلى أن يحصل الغشي، استثنى هذه الصورة، فيفهم من فحوى كلامه أنه لايجوز أن يبلغ فيها الاستفراغ إلى أن يحصل الغشي.
[aphorism]
قال أبقراط: إن استفرغ البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه، نفع ذلك واحتمل بسهولة، وإن كان الأمر على ضد ذلك كان عسرا.
[commentary]
الشرح: هذا هو الغرض الخامس من الأغراض المقصودة في كل استفراغ، وهي هذه: إخراج المادة من حيث هي إليها أميل، وكون ذلك من عضو يصلح لاستفراغها، وأن يكون ذلك بعد الإنضاج، وأن [64] وأن يكون بالقدر الواجب، وأن يكون من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن فإنه إن استفرغ البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه نفع ذلك لإخراج المؤذي واحتمل بسهولة لعدم ضر الطبيعة به، وإن لم يكن كذلك كان على الضد؛ فعلم من هذا أن هذا الفصل ليس بمكرر ووجه ذكره هاهنا، وأن ما قيل من أنه تذكار لما مضى أو إعادة له لأجل شرفه، قول لا معنى له.
تمت المقالة الأولى بعون الله تعالى وحسن توفيقه.
صفحه ۶۴