الشرح: هذا الفصل هو الغرض الرابع، وهو أن يخرج مقدار ما يجب إخراجه من الخلط المستفرغ، وهذا لا يدل عليه مقدار ما قد خرج فقد يكون الامتلاء أكثر من ذلك، وقد يكون الامتلاء قليلا فلا يدل قلة الخارج على عدم النقاء؛ والذي يدل على ذلك وجوه، أحدها: انتقال الخارج في نوعه إلى نوع آخر لم يقصد استفراغ، فإن هذا يدل على النقاء، وذلك أن المستفرغ للصفراء إذا انتهى إلى البلغم، فقد بالغ لأن الدواء المسهل يجذب أولا ما يختص به، ثم الذي يليه في الكثرة B والرقة. وأما إذا انتهى إلى السوداء فقد أفرط جدا، فكيف لو انتهى إلى الدم، وقد أشار إلى هذا (39) الوجه بقوله: "لكنه ينبغي أن تستغنم الاستفراغ ما دام الشيء الذي ينبغي أن يستفرغ هو الذي يستفرغ". والوجه الثاني: هو دوام احتمال الاستفراغ وسهولة قبوله له، وذلك لإخراج ما يجب ان يخرج مما يستريح البدن بخروجه لا محالة. وأما إذا انتهى إلى إخراج الصالح المنتفع به، فإن البدن يصعب عليه ذلك لأن الطبيعة تشح بالنافع فلا تدفعه إلا لقهر قوي جدا. وقد أشار إلى هذا الوجه بقوله: "والبدن محتمل له بسهولة وخفة". قوله: "وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي" يريد الغشي الحادث عن كثرة الاستفراغ، أما الحادث عن فزع المريض من الفصد مثلا، أو لمن ينصب إلى معدته صفراء توجب الغشي بأدنى سبب، فلا يدل على مبالغة في الاستفراغ. واعلم أن الغشي الذي يعتري المفصودين من كثرة A الاستفراغ كثيرا ما يبرد المزاج فتطفأ الحمى، وهو في الأكثر يلزمه عرق ومحي طبيعة لضعف الماسكة، فينفع ذلك في إقلاع الحمى. قوله: "وإنما ينبغي أن تفعل ذلك متى كان المريض محتملا له" لا يصح عود الضمير في "له" إلى الاستفراغ لأن الفرض أن الاستفراغ مما ينبغي أن يستفرغ، وحيث يكون كذلك فإن المريض يكون محتملا له، بل يجب أن يعود إلى الغشي ، كأنه قال: "وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي وإنما ينبغي أن تفعل ذلك متى كان المريض محتملا للغشي" فإن من الناس من لا يحتمل الغشي البتة ويعسر عود قوته إليه بعده. والوجه الثالث: أن يكثر العطش والنعاس، فإن ذلك بعد الإسهال أو القئ يدل على النقاء، وسنذكر هذا فيما بعد ونستقصي الكلام فيه في شرح ذلك.
[aphorism]
صفحه ۶۲