الشرح: بعد الفراغ من كمية الغذاء وكيفيته ناسب أن يتكلم في عدد مرات استعماله، وذلك مختلف باختلاف الأعضاء الهاضمة في قوتها وضعفها، وباختلاف البدن في خلائه وامتلائه، وهذان أولى بذلك. وقد يختلف ذلك باختلاف الوقت الحاضر من أوقات السنة، وباختلاف العادة والسن، وفي حكم ذلك البلد. ونقول: قوة الأعضاء الهاضمة في كل مرض إما أن تكون قوية، أو ضعيفة، أو متوسطة؛ وعلى كل تقدير فالبدن إما أن يكون خاليا، أو ممتلئا، أو متوسطا. ونقول أيضا: تقليل الغذاء أو تكثيره إما أن يكون في كميته أي في مقداره، أو في كيفيته أي في تغذيته، أو فيهما معا. فالمرض الذي العضاء الهاضمة فيه قوية إما أن يكون البدن ممتلئا، فيكون الواجب الغذاء الكثير المقدار، القليل التغذية والعدد. أما كثرة مقداره فلشغل المعدة وتسكين الشهوة، وأما قلة عدده B فلقوة الهاضمة على هضمه دفعة، وأما تقليل تغذيته فلئلا يزيد أخلاط البدن. وإن كان ،مع قوة تلك الأعضاء، البدن خاليا، كان الواجب تكثير المقدار والعدد والتغذية، لأجل الحاجة مع القدرة على استمراره. وإن كان مع قوة تلك الأعضاء البدن متوسطا، كان الواجب تكثير المقدار، والتوسط في التغذية والمرات. وأما إن كانت قوة تلك الأعضاء ضعيفة والبدن ممتلئ، نقصنا المقدار والمرات والتغذية. أما تنقيص المقدار فلضعف تلك الأعضاء، وأما تنقيص المرات والتغذية فلعدم الحاجة إليه بسبب الامتلاء، بل للحاجة إلى تقليل الامتلاء. وإن كان ،مع ضعف تلك الأعضاء، البدن خاليا، نقصنا المقدار، وكثرنا العدد والتغذية. أما تنقيص المقدار فلضعف تلك الأعضاء، وأم تكثير العدد والتغذية فليكثر الغذاء ، ليعتدل البدن في خلائه وامتلائه. وإن كان، مع ضعف تلك الأعضاء، البدن متوسطا، نقصنا المقدار، وتوسطنا في العدد والتغذية. وإن كانت قوة تلك الأعضاء A متوسطة توسطنا في المقدار، وزدنا في العدد والتغذية، أو نقصنا، أو توسطنا، بحسب خلاء البدن وامتلائه أو توسطه. والوقت الحاضر من أوقات السنة له في ذلك مدخل؛ وذلك لأن الصيف يضعف فيه قوى الهضم لتحلل القوة، ويخلو البدن لتحلل المادة، فيكون حكمه تنقيص المقدار، وتكثير العدد والتغذية على ما علمت. والشتاء يقوي الهضم بحصر الحار الغريزي داخلا وتقل المادة لتكاثفها، فحكمه تكثير المقدار والعدد والتعذية. ولكن المرضى الحاجة إلى تغذيتهم حفظ قواهم، وتكاثف الدم في الشتاء لا يوجب وهنا في القوة والتحلل أقل، والقوى البدنية تكون قوية فالحاجة فيه إلى تغذية المرضى قليلة، فينبغي أن ينقص في التغذية والعدد. والربيع يكثر فيه الامتلاء؛ لسيلان المواد وزيادة حجمها، والقوى الهاضمة قوية لاعتدال المزاج، وبقية انحصار الحار الغريزي عن تأثير الشتاء، فيكون حكمه B تكثير المقدار، وتقليل العدد والتغذية. والخريف تكون القوى الهاضمة فيه ضعيفة، لاختلاف هوائه، ولبقية تحليل الصيف للقوى؛ والمواد متوسطة لأجل البرد الحابس عن التحلل، ولم يفرط فيجمد وخصوصا وحر الظهائر يسيل، فيكون حكمه بحكم تقليل المقدار والتوسط في العدد والتغذية، والعادة لها في ذلك مدخل، فإن من اعتاد الوجبة لم يجز له التثنية لأن العادة كالطبيعة، وكذلك من اعتاد التثنية لم يجز له أن يحب؟ وكذلك السن له في ذلك مدخل، فإن الصبيان أعضاءهم الهاضمة قوية وأبدانهم محتاجة إلى النمو، فما في أبدانهم ليس زائد؛ فلذلك ينبغي لهم تكثير المقدار والعدد والتغذية. والشبان غير محتاجين إلى النمو، ولكن التحليل كثير فتكون أخلاطهم كالمتوسطة وقوى هضمهم قوية، فينبغي لهم تكثير المقدار والتوسط في العدد والتغذية. والكهول أخلاطهم وقوى هضمهم كالمتوسطة، A فينبغي لهم التوسط في المقدار والعدد والتغذية. والمشايخ أما من قرب منهم من سن الكهول فحاله كحالهم. وأما البالغين في الشيخوخة فأخلاطهم قليلة بسبب قلة الوارد ولضعف هضمهم وقوى هضمهم ضعيفة، فينبغي لهم تقليل المقدار وتكثير العدد والتغذية. وكذلك يراعى كل ما في حكم ذلك كالبلد، فإن الحار كالصيف، والبارد كالشتاء، والمتوسط كالربيع. فإن قيل: فما ذكرتموه لا يختص بالمرضى، فلم خصه أبقراط بذلك؟ قلنا: لأن غالب الأصحاء لا يحتاجون إلى تقدير الأطباء، لأن شهوتهم تدعوهم إلى مقدار الحاجة، وشبعهم ينفرهم عن الزيادة، ولا كذلك المرضى؛ فلهذا كان أكثر الكلام في هذا متعلقا بالمرضى.
[aphorism]
قال أبقراط: أصعب ما يكون احتمال الطعام على الأبدان في الصيف والخريف، وأسهل ما يكون احتماله عليها في الشتاء، ثم بعده في الربيع.
[commentary]
صفحه ۵۲