شرح فصول ابقراط

ابن النفیس d. 687 AH
108

شرح فصول ابقراط

شرح فصول أبقراط

الشرح: هذا الفصل كالضد للفصل الأول، فلذلك ذكره بعده، وقد كان التغير الذي ذكره في الفصل الأول إنما أوجب المرض في الفصل الثالث وهو الصيف، وذلك لأن ذلك التغير لم يكن خارجا عن الأمر الطبيعي جدا. وأما الخروج عن الأمر الطبيعي في التغير المذكور في B هذا الفصل فكثير، فلذلك تحدث الأمراض في أحد الفصلين وهو الربيع ولا يتأخر إلى الصيف. ونقول: متى كان الشتاء جنوبيا دفيئا مطيرا. أي كان دفيئا رطب الهواء جدا، كانت الأبدان لا محالة كثيرة الرطوبة أكثر من المعتاد في الشتاء المعتاد، وتكون تلك الرطوبات سائلة لا محالة لأنها إنما تكون في الشتاء المعتاد جامدة لأجل البرد الشديد، فإذا لم يكن ذلك البرد شديدا وجب أن تكون (152) سيالة. فإذا ورد على ذلك ربيع مضاد لطبيعته، فكان قليل المطر شماليا. أي باردا يابسا، أوجب لا محالة انحصار تلك الرطوبة ونزولها إلى أسفل. فما كان من النساء (153) قد قاربن الولادة أسقطن من أدنى سبب، لأن الرطوبات تكون في أبدانهن كثيرة جدا لمزاجهن واحتباس حيضهن (154) مدة الحمل فتكون النوازل فيهن كثيرة جدا، وأعني بالنوازل كل مادة تتحرك من عضو إلى ما تحته. وهذه النوازل يكون نزولها إلى الأعضاء الضعيفة أكثر، والنساء اللواتي قاربن الولادة تكون أرحامهن ضعيفة مثقلة فيكون (155) قبولها A للنوازل أكثر. وإذا كثرت الرطوبات فيها، ضعفت الأجنة واسترخى جرم الرحم، فكن مستعدات للإسقاط، فيكفي في ذلك أضعف الأسباب. واللواتي لا يعرض لهن سبب مسقط وولدن، يكون أولادهن ضعيفة الحركة مسقامة لأجل كثرة الرطوبة، فتكون الأعصاب ضعيفة رخوة. وغلبة الرطوبات تعد لقبول العفونة بسرعة، فيكونون مسقامين. فإما أن يموتوا على المكان لمصادفة هواء فضل على غير واجبه، وخصوصا باردا يابسا منافيا لطبيعة الحياة. وإما أن يكونوا أقوى قليلا، فيبقون، ولكن منهوكين مسقامين طول حياتهم، لضعف أمزجتهم وغلبة الرطوبة الفضلية عليهم. وأما سائر الناس فيعرض لهم اختلاف الدم، لكثرة ما ينزل إلى أمعائهم. وأكثر النوازل التي تنزل إلى المواضع البعيدة تكون صفراوية، أو تغلب عليها الصفرة، كالبلغم المالح؛ وذلك يوجب انسحاج الأمعاء وإسهال الدم، ويعرض لهم أيضا الرمد B اليابس. أما الرمد فلكثرة ما يسيل إلى أعينهم لعصر الهواء البارد اليابس أدمغتهم. وأما كونه يابسا فلأن البرد واليبس يكثف جرم العين فلا يسيل منها الدمع، وهذا معنى كون الرمد يابسا. قوله: وأما الكهول فيعرض لهم من النزل ما يفنى سريعا، وفي بعض النسخ: ما لا يفنى سريعا.ولكلا النسختين وجه: أما الأولى: فلأن هذه النوازل يعقبها الصيف فيلطفها ويحللها، وباقي النزلات في غالب الأمر تكون في الخريف أو في الشتاء فلا يعقبها ما يحللها، فتطول مدتها. ويجوز أن يقرأ: ما يفني سريعا. أي ما يقتل سريعا، لأن كثيرا من هذه النوازل يكون مادتها كثيرة فتهجم على مسالك الروح فتقتل ، ولذلك قال في كتاب المياه والبلدان في هذه الصورة: إن المشايخ يعرض لهم من النزل ما يهلكون منها بغتة. وأما النسخة الأخرى: فلأن من هذه النوازل ما ينزل سريعا إلى الرئة ويوجب القرحة، وذلك لا يفنى سريعا، بل تطول مدته، ثم يقتل.

[aphorism]

صفحه ۱۴۲