شرح فصول ابقراط
شرح فصول أبقراط
ژانرها
البحث السابع
في قوله * والصناعة (121) . الصناعة ملكة نفسانية يقتدر بها الإنسان على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض على سبيل الإرادة صادرة عن بصيرة بحسب الإمكان. وعلى هذا يكون جميع العلوم صنائع. وفي الحقيقة * فإن (122) إطلاق لفظ العلم على هذا الفن أولى من * إطلاق لفظ (123) الصناعة لأنه أمر كلي. وقد علم في غير هذا الفن أن العلم عبارة عن إدراك الكليات والمعرفة عبارة عن إدراك الجزئيات، غير أن أبقراط إنما أطلق عليه لفظة الصناعة * تجويزا (124) منه في العبارة. أو أنه كان يطلق عليه هذه اللفظة في قديم الزمان، فاستعملها للشهرة. أو يقول * إن (125) هذا الفن كان ناقصا فيما تقدم من زمانه أو في زمانه عما يحتاج إليه. * وهو (126) محتاج إلى أن يتمم ويزداد، فلم يستحق أن يسمى علما.
البحث الثامن:
اعلم أن الألف واللام في اللغة العربية تستعمل لثلاثة معان. أحدها الاستغراق في الجنس. فيكون موقعها موقع الجنس كما يقال الحيوان. * ويراد به (127) حقيقة ما له حس وحركة إرادية. وليس هذا مراد بقراط بذلك هاهنا * لوجهين (128) . أما * الأول (129) فليس كلامه في الصنائع أجمع، بل في صناعة الطب. وأما * الثاني (130) PageVW5P004B فلأن بعض الصنائع قصيرة جدا، فلا تكون طويلة عسرة المعرفة. وأما الثاني * فلطلب (131) الحقيقة والماهية. وهذا أيضا غير مراد أبقراط. وثالثها المعهود السابق، أي الذي كلامنا فيه، وهو الطب. وهذا هو مراد أبقراط.
البحث التاسع
في بيان طول هذه الصناعة. قال جالينوس: أقول إنما قال ذلك لأن الوقت الذي يفعل فيه كل واحد من * حيل (132) أفعالها الجزئية يسير ضيق. لذلك يعسر الوقت عليه * فيحتاج (133) الذي يريد معرفته إلى رياضة طويلة, ودربة بالغة. والذي نقول نحن في إيضاح هذا أول تبيينه أن كل علم فله موضوع ومبادئ ومسائل. فالموضوع فيه البرهان والبمادئ منها البرهان والمسائل عليها البرهان وهي المطالب. وأحوال الموضوع ههنا الذي هو بدن الإنسان هي المطالب في هذا الفن. ولا شك أنها دائمة أخذه في التبدل * والتغير (134) ، فتكون مطالب هذه الصناعة كثيرة جدا غير متناهية. * ولذلك (135) تفرعت مطالب هذه الصنعة إلى الطبائعية والجراحية والكحالة. وإنما كانت متبدلة متغيرة من قبل أن موضوعها على ما علم بدن الإنسان من جهة عروض الصحة له والمرض، وهو دائم * التغير (136) من داخل * وخارج (137) على ما عرفت. ثم أن الغذاء الوارد عليه ليس هو * شبيها (138) به من جميع الوجوه, فهو لا محالة يغيره ويزعزعه. * وإذا (139) كان * التغير (140) حاصلا له دائما، فأحواله متبدلة متجددة دائما. فكانت مطالبه كثيرة جدا * غير متناهية (141) . وصناعة الطب لا شك أنها ناظرة في تلك الأحوال. فلما كان حالها كذلك، وصفها بالطول. فقال: الصناعة طويلة.
البحث العاشر:
قال جالينوس في بيان طول هذه الصناعة ولأن استخراج جميع ما يستخرج من الصناعات يكون * بسببين (142) . أحدهما التجربة والآخر القياس واستعمال الأول خطر والثاني ليس بسهل، لكنه من أعسر ما يستعمل. * أقول (143) : هذا الوجه لا * يصلح (144) أن يعلل به طول الصناعة، بل صعوبتها وعسر إدراكها. وذلك لأن الأمور * التي (145) تستنبط بها * معارفها (146) * منحصرة (147) في أمرين. أحدهما * التجربة (148) وهي خطرة PageVW1P005A على ما ستعرفه. والآخر القياس، وهو عسر شاق. ولذلك وقع الاختلاف فيه إلى الآن. وستعرف المراد بالقياس هاهنا.
البحث الحادي عشر:
في قوله: والوقت ضيق. ذهب الفاضل جالينوس إلى أن مراده هاهنا بالوقت وقت استعمال التدابير الجزئية. فإنه يسير ضيق من قبل أن الموضوع المستعمل فيه هذه الصناعة دائم التحلل والتغير من ذاته ومن خارج. فلا يقدر على ضبط ما نحن محتاجون إلى ضبطه من الأحوال المتجددة على ما ينبغي. وإذا كان كذلك، فيتعذر على الطبيب أن يستعمل ما يجب * استعماله (149) . وذلك لأن أحوال البدن تتغير بتغير موضوعها في الزيادة والنقصان. فربما تحصل من المعالجة حالة لا يتوقع حدوثها وهو أن الدواء ربما يكون أقوى قوة منه. وذلك إذا كان * التغير (150) إلى أمر أنقص من قوة الدواء، أو يكون الدواء أضعف منه إذا كان * التغير (151) بالعكس. وكذلك الكلام في حفظ الصحة. فالحاصل أنه جعل ضيق الوقت بحسب الحالة التي عليها البدن. أقول هاهنا * ثلاثة بحوث (152) . أحدها * أنه علل (153) طول الصناعة بضيق الوقت لأن أحوال البدن متجددة. وهاهنا قد علل ضيق الوقت بطول الصناعة PageVW5P005A لكثرة ما يحتاج إلى استخراجه منها بحسب الوقت، أي الحالة الحاصلة فيه. * ولا شك أن هذا (154) دور وهو محال. وثانيها الحالة المنتقل إليها البدن إما إن يمكن الطبيب أن يحصل ما يحتاج * إليه (155) بحسب الوقت أو لا يمكنه. فإن أمكنه، فليس الوقت * ضيقا (156) من هذه الجهة. وإن لم يمكنه، تعذر وصول الصناعة إلى غرضها. وذلك باطل بالاستقراء. فإنا نرى الصناعة تبلغ غرضها في أكثر الأوقات في * أمر (157) المعالجة وحفظ الصحة. وثالثها أنك ستعرف أن الأمراض على نوعين: حادة ومزمنة. والحادة على نوعين: مهياجة وغير مهياجة. والمزمنة والحادة الغير مهياجة حركاتها متراخية الأزمنة يمكن حصول الغرض من صواب تدبيرها. وكيف لا يكون ذلك؟ وإلا، كانت الصناعة قاصرة جدا فيما يحتاج إليه. فتبقى الأحوال السريعة التبدل والتنقل التي لا يمنكن الطبيب أن يحصل غرضه منها ولا من معالجة الأمراض المهياجة. فالقدر الذي ذكره الفاضل جالينوس لا يتأتى ويمشي * إلا (158) في هذه الأحوال. وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يعلل ضيق الوقت بتبدل الأحوال وتغيرها مقلطا. وقال ابن أبي صادق: عنى بضيق الوقت وقت التعليم. فيكون مراده بالوقت * الزمان (159) الذي يمكن الإنسان صرفه إلى تحصيل هذه الصناعة * في (160) جملة عمره. فإن بعض العمر ينصرف في النوم والبعض في اللهو والبعض في وقت المرض والبعض في زمان الطفولية والبعض في زمان الشيخوخة والبعض في هم يرد أو غم أو غير ذلك من الأمور الطارئة على الإنسان. ولا شك أن أمثال هذه مما تحيل بينه وبين تحصيل العلم، فيضيق وقت التعليم. فإن * قيل (161) هاهنا بحثان: أحدهما أن يقال الوقت إذا ضاق عن التعليم يضيق, فضيقه إما أن يبلغ فيه الغرض من التعليم أو لا يبلغ فيه. فإن كان الأول، فليس الوقت يضيق. وإن كان الثاني، * فيمتنع (162) معه تحصيل الصناعة وتعليمها، وهو باطل. ثانيها أنه إذا * أنسب (163) ضيق الوقت بالإصفافة إلى تعليم الصناعة ، كان ذلك في ضمن قولنا والعمر قصير بالإضافة إلى طول الصناعة. وفي ذلك جعل الوقت عديل الكل وقسيما له، وهو خطأ. * والجواب (164) عن الأول قوله الوقت إما يبلغ فيه الغرض أو لا يبلغ. قلنا يبلغ فيه بحسب الإمكان والقدرة الإنسانية، غير أن هذا يكون نادرا جدا. * ولذلك (165) صار وجود الطبيب الحاذق الماهر نادرا جدا. وكيف لا يبلغ في هذه الصناعة ذلك * ومثل (166) هذا القدر منها ممكن الحصول * المعرفة (167) ؟ والجواب عن الثاني أنه علل طول الصناعة بكثرة مطالبها التي هي الأحوال المتجددة الحادثة. وعلل ضيق الوقت أي وقت الاشتغال بكثرة الأمور المانعة من ذلك، وهي التي عددها. فلم يلزم ما ذكره المعترض.
صفحه نامشخص