195

البحث الثاني

في * بيان (1663) كيفية حدوث ما ذكره PageVW3P307B في السن المذكورة: أما رداءة التنفس فقد يفهم منها الربو، وقد يفهم منها البهر، وقد يفهم * منها (1664) ضعف حركة الصدر في التنفس، والكل حق. فإن السن المذكورة تكثر فيها المواد الرطبة لا لرطوبة الأعضاء والمزاج بل لاستيلاء البرد، فتضعف القوة الهاضمة عن إحالة ما يرد على البدن من الغذاء على ما ينبغي فتكثر الفضلات وأدمغة المشائخ ضعاف، فتكون الفضلات المذكورة فيها أكثر مما هي في غيرها من أعضاء البدن، فيقطر منها شيء إلى جهة الرئة فيحدث الربو أو البهر. وأما ضعف الحركة * فلأن (1665) القوة مطلقا في بدن الشيخ ضعيفة فتعجز القوة المحركة للصدر عن تحريكه على ما ينبغي، أو نقول إن الحرارة الغريزية في بدن الشيخ ضعيفة. ولا شك أنها متى كانت كذلك كان ضعفها في الظاهر أكثر مما هو في الباطن وعضلات * الصدر (1666) وأعصابه من الأعضاء الظاهرة فتكون الحرارة فيه ضعيفة فيكون تأثير الهواء الخارجي فيها تأثيرا بالغا فيضعف عن تحريك * التنفس (1667) على ما ينبغي، أو نقول إن المواد القاطرة من الدماغ يقطر منها شيء إلى الأعضاء المذكورة بحيث أنها * تضعفها (1668) عن تحريك * التنفس (1669) على ما ينبغي. وأما النزلات * فكما (1670) ذكرنا * ويكون (1671) معها سعال لاستيلاء البرد الخارجي والبرد واليبس الداخلي. وأما أوجاع المفاصل فلكثرة الفضول وانصبابها إلى ما هو قابل لها وأقبل الأعضاء لها المفاصل. وذلك لما ذكرنا وأيضا لضعف القوة فتعجز عن تحريكها والآلة أيضا التي هي الحرارة الغريزية. وأما أوجاع الكلى فالمراد به * حصاة (1672) الكلية. فإن هذا المرض خاص * بهذه (1673) السن، وذلك لكثرة الفضول الغليظة المتولدة في * هذه (1674) السن واندفاعها إلى أسافل * البدن (1675) فتندفع إلى جهة الكلي، PageVW3P308A ثم * إن (1676) الدافعة تعجز عن دفعها فتبقى محتبسة وتنعقد فيها حصاة ويعينها على احتباسها ضيق المجرى المنحدر من الكلى إلى المثانة بسبب استيلاء البرد. فإن قيل: * فلم (1677) لا يضيق المجرى الأعلى * الذي (1678) بين الكبد والكلى بالبرد كما يحصل في المجرى الأسفل وتحتبس المادة المنحدرة إلى الكلى هناك، فنقول: هذا المجرى وإن كان يحصل فيه ضيق من البرد غير أن الضيق الحاصل فيه أقل * من (1679) الضيق الحاصل في المجرى الآخر، لأن هذا المجرى مجاور للكبد فتفيده حرارة موسعة، ثم هذه * الحصى (1680) لها بسبب فاعلي وسبب مادي يعين ما ذكرنا في حصاة * المثانة (1681) وهي تتولد في البدن في خمسة مواضع: أحدها في الرئة، وثانيها في المعاء، وثالثها في المفاصل، ورابعها في الكلى، وخامسها في المثانة. وأما الفرق بين حصاة الكلى وحصاة * المثانة (1682) فمن وجوه خمسة: أحدها من جهة * الموضع (1683) وهو أن * الكلوية (1684) موضع وجعها في الطقن والمثانة في العانة؛ ثانيها من جهة اللون وهو أن الرمل الحاصل * في (1685) الكلوية لونه أحمر * وفي (1686) المثانة أبيض؛ وثالثها من جهة المقدار وهو أن الكلوية أصغر مقدارا لضيق * تجويف (1687) الكلى والمثانة أكبر مقدارا لسعة تجويف المثانة؛ ورابعها من جهة القوام وهو أن الكلوية ألين قواما للين المادة المتكونة منها وهي الدم، والمثانة أصلب لصلابة المادة ولبرد المثانة؛ وخامسها من جهة اللمس وهو أن الكلوية أنعم ملمسا والمثانة أخشن، وذلك لضيق تجويف الكلى فلا تتمكن المواد من الركوب عليها وسعة تجويف المثانة فتركب المواد على الحصى المتكونة فيها تخشنها. وأما الدوار فلكثرة المواد في الدماغ وضعفه عن دفعها وإخراجها عنه. وأما السكتة فلذلك أيضا. وأما القروح فلكثرة الفضول وضعف القوة الدافعة عن دفعها PageVW3P308B عن البدن وكونها رديئة لذلك ولضعف الآلة التي هي الحرارة الغريزية فيعسر اندافاعها * وبروزها (1688) . وأما حكة البدن فلكثرة الفضول وتكاثف جلودهم بسبب البرد فتحتبس المواد فيه. وأما السهر فلكثرة همومهم وإفكارهم في عواقب الأمور وغلبة اليبس على أدمغتهم. فإن قيل: فالرطوبة موجبة للنوم وهي كثيرة في أبدانهم، فنقول: هذه الرطوبة الحاصلة في أبدانهم بورقية * ليبس (1689) امزجتهم فتكون حادة لذاعة. ومثل * هذا (1690) لا يوجب النوم PageVW1P096B إلا أن النعاس * يغلب (1691) إذا جلسوا. فإذا طرحوا أنفسهم * على (1692) الأرض زال عنهم النوم. وذلك لأن أخلاطهم في حال الجلوس تكون ساكنة غير مؤذية ولا * لذاعة (1693) للدماغ فيغشاهم النعاس لما تقدم لهم من السهر. فإذا استلقوا غارت حرارتهم وأخلاطهم إلى داخل * البدن (1694) وتار منها أبخرة رديئة مؤذية للدماغ فتؤذيه وتلذعه وتوجب السهر. وأما لين البطن فليس المراد به ما يعرض لهم في حال الصحة فإن هذا لا يصح فإنا قد بينا فيما تقدم أن من كان في شبابه يابس * البطن (1695) لأن بطنه في زمان * الشيخوخة (1696) ومن كان بالعكس فبالعكس، بل المراد به في حال المرض، وذلك لضعف الهضم والاستمراء ولكثرة الفضول المزلقة ولكثرة ما يتناول من الأغذية، فإن الشهوة في هذه السن أقوى من الهضم. وأما رطوبة العينين والمنخرين فلاستيلاء الرطوبات على الدماغ وعجزه عن دفعها. وأما ظلمة البصر فلضعف القوة الباصرة لضعف المبدأ ولكثرة الفضول فيه فتكدر القوة، وكذلك * آلتها (1697) . وأما الزرقة فلاستيلاء * اليبس (1698) فيقل * سواد (1699) الحدقة كما يعرض للزرع إذا عطش فإنه يبيض وينحط عن خضرته. وأما ثقل السمع فلضعف القوة الحساسة * التابع (1700) لضعف المبدأ ولكثرة PageVW3P309A * الفضول (1701) * المكدرة (1702) لها.

البحث الثالث

في رسوم الأمراض المذكورة: هذا القدر جميعه قد ذكرناه ما خلا الدوار والسهر والزرقة وتقل السمع فإنا لا * نتعرض (1703) لذكرها فلنذكره * هاهنا (1704) فنقول: أما الدوار فهو حالة يتحيل الإنسان معها أن الأشياء تدور * عليه (1705) وأن دماغه وبدنه كذلك، فلا يتمالك أن يثبت بل يسقط إلى الأرض، وذلك لما يعرض للروح * التي (1706) في بطون الدماغ وفي شرائينه ما يعرض له عند دورانه على نفسه. وكلما كان البدن أضعف كان هذا الانفعال * عنه (1707) أشد، وكلما كان أقوى كان أضعف. ولذلك صار هذا العارض يظهر في المرض أبلغ من ظهوره في الصحة. ثم هذا المرض له سبب من داخل وسبب من خارج. والأول إما أبخرة حاصلة في الدماغ قريبة العهد بالتوليد أو حاصلة عن أمراض متقدمة فتجول فيه * وتحدث (1708) حركات * مضطربة (1709) إما مقابلة * لحركة (1710) الروح الطبيعية أو غير * مقابلة (1711) لها فيحصل من ذلك حركة دورية كما يحصل * من (1712) الزوبعة عند الرياح إذا تقابلت أو مرتفعة إليه من أعضاء أخر فيحصل ما ذكرنا. والخارجي مثل ضربة تقع على القحف فتموج الأرواح التي من داخل ويحصل منها حركة * مضطربة (1713) أو سقطة تفعل ذلك. قال الشيخ * الرئيس (1714) في ثالث القانون: وقد يحل الدوار صداع عارض، وقد يحل الصداع دوار عارض. أقول: هذا الكلام في ظاهره توهم الدور، والحق أنه ليس بدور. وذلك لأن الدور إنما يلزم عند اتحاد الجهة والجهة هاهنا في الحقيقة مختلفة، فإن الجهة التي يحل بها الصداع الدوار غير الجهة التي يحل بها الدوار الصداع. أما الجهة الأولى وهو الدوار على ما عرفت سببه أبخرة متهوجة تحرك الأرواح الحركة المذكورة. فإذا قويت الطبيعة عليها أبطلت PageVW3P309B حركتها، وعند ذلك تستقر في موضع مخصوص وتحدث الصداع. وأما الجهة الثانية فهو إذا * كان (1715) سبب الصداع مواد غليظة ثابتة في موضع مخصوص فإن الطبيعة عندما تروم إخراجها عن الدماغ تنضجها * لتهيئها (1716) بذلك للخروج وإنضاج المواد الغليظة بترقيق القوام. فإذا رق قوامها تبخر منها أبخرة أو * تحركت (1717) هي بنفسها فيحصل من ذلك الحركة التمويجية فيحصل من ذلك الدوار فيكون الدوار من هذا الوجه يحل الصداع والصداع من الوجه الأول يحل الدوار فيظهر مما ذكرنا اندفاع الدور. وأما السهر فهو إفراط في اليقظة ثم له سبب من داخل وسبب من خارج. أما الداخل فمن وجوه خمسة: أحدها حرارة المزاج ويبسه فتفيد الأرواح نارية فتتحرك دائما إلى الخروج؛ وثانيها بورقية المواد فتلذع الدماغ وتجفف المزاج كما في * سن (1718) الشيخوخة؛ وثالثها وجع مبرح * فتشغل (1719) القوة عن طلب الراحة واستعمال النوم؛ ورابعها استمرار الفكرة فإنها تشغل * القوة (1720) عن طلب الراحة وحصول النوم؛ وخامسها أبخرة رديئة لذاعة تصعد إلى الدماغ فتؤذيه وتلذعه، وذلك كما في الحميات الصفراوية الخالصة. وأما الخارجي فمن وجهين: أحدهما استنارة الموضع فتنجذب الأرواح إلى خارج البدن * للمناسبة (1721) ؛ وثانيهما اتسعمال ما ينفخ ويشوش * الأحلام (1722) كالباقلى. وأما الزرقة فاعلم أن الزرقة على نوعين: أصلية وحادثة. * فالأصلية (1723) لها أسباب ستة: أحدها * كثرة (1724) الرطوبة الجليدية فتكون الأرواح لذلك كثيرة فتنير العين وتكثر ضياؤها؛ وثانيها قرب وضعها فيستولى لونها على لون الطبقات الخارجة؛ وثالثها قلة سواد الطبقة الغبية؛ ورابعها PageVW3P310A كثرة الأرواح في العين فتفيدها الضياء والأشراق؛ وخامسها قلة الرطوبة البيضية، وعند ذلك يقل الحائل لخروج الأرواح وبروزها إلى خارج العين؛ وسادسها صفاء هذه الرطوبة لذلك * أيضا (1725) . وأما الحادثة فلسببين: أحدهما ضعف الهضم والنضج فتتوفر الرطوبات وتفيد العين بياضا كحال النبات في أول طلوعه، فإنه يكون ضعيف الخضرة، ثم إذا نشأ * ونقصت (1726) تلك الرطوبات * قويت (1727) خضرته، ولذلك كانت أعين الأطفال لونها مائل إلى الزرقة أو إلى الشعلة؛ وثانيهما استيلاء الجفاف على العين، فإنه متى حصل مال لونها إلى البياض كالنبات إذا أخذ في الجفاف فإنه ينحط عن خضرته الخاصة به، ولذلك صارت أعين المشائخ تميل إلى الزرقة لا سيما في آخر سنهم. وأما ثقل السمع فمعناه ضعفه، وسبب هذا إما في المبدأ وإما في القوة وإما في العصبة وإما في النفس المجرى. فأما الكائن في المبدأ فكما إذا كان في الدماغ آفة فإنه تشغلها وتمنع نفوذ القوة PageVW1P097A السامعة إلى آلتها بحيث أنها لا تدرك محسوسها الخاص بها على ما ينبغي. وأما القوة فيكون ذلك عند ضعفها فيقل النافذ منها في آلتها إلى السماخ فيضعف إدراكها للمسوعات، ولذلك صار الناقهون * ضعيفي (1728) السمع لا سيما متى كان الخروج من مرض * مخيف (1729) مجحف بالقوة. وأما العصبة فكما إذا حصل فيها سدة فإنها تمنع القوة السامعة من النفوذ والبروز إلى السماخ فيضعف إدراكها للمسموعات. وأما المجرى فكما إذا حصل فيه سدة إما من مدة وإما من اجتماع أوساخ وإما لوقوع شيء فيه، فإنه متى حصل ذلك تعذر على القوة السامعة الإدراك. والله أعلم.

تمت المقالة الثالث.

المقالة الرابعة من شرح فصول أبقراط وهو ثلاثة وثمانون فصلا

1

[aphorism]

قال أبقراط: ينبغي أن تسقى الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط في بدنها هائجة منذ يأتي الجنين أربعة أشهر وإلى أن يأتي عليه سبعة أشهر ويكون التقدم PageVW5P163B على هذا أقل، وأما ما كان أصغر من ذلك أو أكبر فينبغي أن يتوقى عليه.

صفحه نامشخص