شرح فصول ابقراط
شرح فصول أبقراط
ژانرها
البحث الثالث:
اختلف الأطباء في الصرع البلغمي والسوداوي في أيهما أردأ. فقال قوم: * البلغمي (2112) وذلك من وجهين. أحدهما أن البلغم مناسب للدماغ في مزاجه فعند اجتماعه فيه لا يشعر الدماغ بأذيته ولا يهتم بمقاومته ودفعه عنه. ثم أنه يكثر بالتدريج ويعجز الدماغ عن دفعه في آخر أمره بخلاف السوداوي فإن السوداء مباينة للدماغ فعند حصولها فيه ينفر منها * ويشئز (2113) منها. وعند ذلك يهتم بمقاومتها ودفعها عنه فلا يتركها تجتمع فيه البتة. وثانيها أن البلغم أكثر مقدارا من السوداء وألزج قواما منها. وما كان كذلك كان أبلغ في السد والمنع * مما (2114) لم يكن كذلك. فالسدة البلغمية أقوى في سدها من السوداوية. ولذلك لما كان البلغم كذلك كثر * معه (2115) الاضطراب والارتعاش. * وذلك (2116) لاهتمام الطبيعة بدفعه وإخراجه عن الدماغ بخلاف السوداوي، فإنه لا يكون * لذلك لأن السوداء دون البلغم في السدة (2117) لما ذكرنا. ومنهم من ذهب إلى أن السوداوي أردأ من البلغمي واحتج على صحة مذهبه بوجهين. أحدهما أنه قد ثبت أن المرض المناسب أقل * خطرا (2118) من غير المناسب. ولا شك في مناسبة البلغم للدماغ. وأما السوداء فإنها مضادة له. وقد علمت أن المرض المضاد لا يحدث إلا لسبب قوي وقوة السبب تدل على عظم الآفة على ما عرفت. وثانيهما PageVW5P119B أن السوداء أغلظ قواما من البلغم. وما كان كذلك فإيجابه للسدة والمنع إيجابا قويا بخلاف البلغم فإنه وإن كان أكثر مقدارا من السوداء غير أنه أرق قواما. والحق * عندي (2119) المذهب الأخير. * قول (2120) الفريق الأول في الأول أن الدماغ مناسب للبلغم إلى آخره. نقول: كيف كان مناسب له وقد علم أن المرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب؟ وقولهم في الوجه الثاني أن البلغم أبلغ في السد من السوداء لكثرة مقداره * وغلظ قوامه ولزوجته (2121) وكثرة الاضطراب والارتعاش فيه لقوة المجاهدة والمقاومة لأجل ذلك. نقول: لم لا يقال إن سبب حصول الارتعاش * والارتعاد وكثرة الاضطراب (2122) نفوذ القوة المحركة في مسالكها؟ فإن البلغم لما كان أرق قواما من السوداء لم يبلغ مبلغها في السد. ولذلك صارت الأرواح والقوى تنفذ في مسالكها ويدل على نفوذها ما ذكرناه .
البحث الرابع:
ذهب أرسطو إلى أن الصرع يحدث عن بخار غليظ يسد مسالك الروح وبطون الدماغ فتمتنع الأرواح من النفوذ إلى ما دونه من الأعضاء. * قال (2123) : ولذلك صار يحدث دفعة ونزول دفعة. قال جالينوس: الريح لو بلغت من الغلظ * مهما (2124) بلغت لم تسد مسالك الأعصاب بل حدوثه دفعة وزواله دفعة يكون عند كون سببه رقيقا فإن مثل هذا الخلط يكون إيجابه للصرع دفعة وزواله دفعة. قال الرازي: لإيجب لنا أن نسلم لأرسطو الغلبة في كل موضع بل نسلم لجالينوس في هذا الموضع.
البحث الخامس:
قال الشيخ في الكتاب الثالث من القانون: وقد ظن بعض الناس أنه قد يكون صرع خال من المادة، ومراده بالمادة أحد المواد الأربع. وهذا الكلام * يحتاج (2125) إلى تفصيل فإنه إن عنى بالمادة بخارا يرتفع إلى الدماغ أو كيفية سمية تؤذيه يتقلص التقلص الذي سنذكره، فهو حق. وإن عنى به أنه سوء مزاج فإن كان مختلفا فهو محتمل، وإن كان مستويا فهو بالطل لأن تلك الكيفية ثابتة فيجب أن يكون الصرع ثابتا ملازما ولا يكون له نوائب وفترات والوجود بخلافه.
البحث السادس:
ضرر مادة الصرع بالبطن المقدم أولى * وأكثر (2126) من ضررها بباقي بطونه. والدليل عليه أن أول ما يتعطل فيه من الحواس حاسة البصر وما يليها ويكون مع ذلك أعظم من ضرر * ما عدا (2127) ذلك.
البحث السابع:
المادة الموجبة للصرع في الأكثر مادة بلغمية ومثل هذه المادة متى استولت على عضو أرخته وبلته. * وعلى (2128) هذا كان * من (2129) الواجب أن تسترخي الأعصاب والعضلات في الصرع وتسترخي الأعضاء PageVW1P068A ولا يحصل فيه تشنج أصلا والوجود بخلافه. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أن الدماغ في مثل هذا الوقت PageVW5P120A يحاول دفع ما يؤذيه ويؤلمه، والدفع لا بد فيه من اجتماع وانعصار. فعندما يجتمع الدماغ وينعصر تجتمع الأعصاب والعضلات لذلك أما للتبعية وإما لما ينالها من الأذى ثم تجتمع الأعضاء. ولا معنى للتشنج إلا ذلك. لكن يجب أن تعلم أن التشنج * على ما عرفت بأن (2130) يكون عن الاستفراغ وتارة يكون عن الامتلاء وتارة يكون عن كيفية سمية تؤذي * الدماغ. فالتشنج الكائن في الصرع يكون عن الامتلاء وعن كيفية سمية تؤذي عن استفراغ فلا يكون البتة. وذلك (2131) لوجهين أحدهما أن الصرع يكون دفعة والتشنج الاستفراغي لا يكون دفعة على ما عرفته. وثانيهما الآفة لا يبلغ في تجفيف الدماغ والأعصاب بحيث أنها توجب ذلك إلا ويسبقها الهلاك وذلك لشرف الدماغ ورياسته.
صفحه نامشخص