219

Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman

شرح فتح المجيد للغنيمان

ژانرها

حديث: (من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة)
قال الشارح ﵀: [وقوله: (من لقي الله لا يشرك به شيئًا) قال القرطبي ﵀: أي: لم يتخذ معه شريكًا في الإلهية، ولا في الخلق، ولا في العبادة، ومن المعلوم أن من الشرك المجمع عليه عند أهل السنة أن من مات على ذلك فلا بد له من دخول الجنة وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحنة، وأن من مات على شرك لا يدخل الجنة ولا يناله من الله رحمة، ويخلد في النار أبد الآباد من غير انقطاع عذاب ولا تصرم آماد.
قال النووي ﵀: أما دخول المشرك النار فهو على عمومه، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحوده وغير ذلك، وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرًا عليها دخل الجنة أولًا، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرًا عليها فهو تحت المشيئة، فإن عفا الله عنه دخل الجنة أولًا وإلا عذب في النار ثم أخرج من النار وأدخل الجنة].
هذا في الأمور الأخرى غير الشرك، وكلام النووي هذا مما أجمع عليه، أي: أن من مات وهو مشرك أو كافر من أي صنف كان فنقطع قطعًا جازمًا للآيات وأحاديث الرسول ﷺ القطعية أنه خالد في النار، أما الذي يموت بغير شرك فإن لم يكن صاحب كبائر وكان صاحب صغائر فإنه يدخل الجنة بلا عذاب، أما إن كان مصرًا على كبائر الذنوب ومات عليها فهذا أمره إلى الله إن شاء عذبه على الكبائر وإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة بلا عذاب.
ومعلوم أن العذاب الذي يقع للإنسان كله تكفير، والعذاب قد يكون في القبر، وقد يكون في بعض الأوقات في قبره ثم ينقطع عذابه في القبر إذا كان ذنبه ليس كبيرًا، والله جل وعلا لا يعذب إلا على قدر الذنب، ولكن الذنوب قد تكون عند الإنسان صغيرة وهي عند الله كبيرة، ثم بعض الناس قد لا يكفي تعذيبه في القبر طيلة ما كان في قبره وإن كان ترابًا؛ لأن المقبور يصبح بدنه ترابًا بعد سنوات، ولكن الروح ما تموت، فتعذب الروح مع حبات التراب التي صارت ترابًا من البدن، فيذوق بدنه العذاب مع الروح، وهذا من أمور الآخرة التي أخبرنا بها، ويجب أن نؤمن بها.
ثم بعض الناس يتصل تعذيبه بالموقف؛ لأن الموقف أيضًا نوع من العذاب، فالناس يقفون فيه حفاة عراة عطاشًا جائعين، والشمس فوق رءوسهم، ويعرقون عرقًا عظيمًا، وهذا كرب شديد، فهو نوع من العذاب يكون مكفرًا للذنوب، ولهذا جاء أن بعض الخلق يكون الموقف عليه سهلًا ميسورًا وليس طويلًا، فما كلهم يكون بهذه الصفة، وبعضهم لا يكفي كونه يعذب في الموقف، وأهل الموقف يقولون فيه: ربنا اقض بيننا ولو إلى النار.
هكذا يقولون من شدة الوقوف والكرب، يرون أن المصير إلى النار أسهل منه، وإن كانت القاعدة أن كل ما بعد الموت أشد مما يلقى الإنسان إذا كان كافرًا، فالنار أشد من الوقوف بلا شك، ولكن هكذا يتصورون، فإذا كان لا يكفي تعذيبه في الموقف أدخل النار، ثم دخول النار يتفاوت، فمن الناس من يكون دخوله مجرد دخول فقط، يغمس فيها فيخرج، ومنهم من يبقى وقتًا، والوقت يتفاوت أيضًا، فمنهم من يطول بقاؤه، ومنهم من يبقى طوال الدنيا منذ خلقت إلى أن تفنى ثم بعد ذلك يخرج، ومنهم من يكون أقل من ذلك بحسب ذنوبهم، فالأمر في هذا يتفاوت تفاوتًا عظيمًا جدًا حسب الإجرام والكبائر العظيمة، ولكن إذا كان الإنسان مات على التوحيد وهو يشهد أن لا إله إلا الله وليس عنده شرك، وإن كان قد أتى بمعاصٍ كثيرة وكبائر كثيرة فمآله إلى الجنة وإن عذب.

20 / 11