شرح العقيدة الطحاوية
شرح العقيدة الطحاوية
پژوهشگر
أحمد شاكر
ناشر
وزارة الشؤون الإسلامية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٨ هـ
محل انتشار
والأوقاف والدعوة والإرشاد
ژانرها
عقاید و مذاهب
الصَّحِيحَةُ، وَهُوَ الْحَقُّ الْمُعْتَدِلُ الَّذِي لَا انْحِرَافَ فِيهِ. فَالنُّفَاةُ أَحْسَنُوا فِي تَنْزِيهِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ عَنِ التَّشْبِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنْ أَسَاءوا فِي نَفْيِ الْمَعَانِي الثَّابِتَةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالْمُشَبِّهَةُ أَحْسَنُوا فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، وَلَكِنْ أَسَاءوا بِزِيَادَةِ التَّشْبِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَفْهَمُ الْمَعَانِيَ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِاللَّفْظِ إِلَّا أَنْ يَعْرِفَ عَيْنَهَا أَوْ مَا يُنَاسِبُ عَيْنَهَا، وَيَكُونُ بَيْنَهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَمُشَابَهَةٌ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَفَهُّمُ الْمُخَاطَبِينَ بِدُونِ هَذَا قَطُّ، حَتَّى فِي أَوَّلِ تَعْلِيمِ مَعَانِي الْكَلَامِ بِتَعْلِيمِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ، مِثْلَ تَرْبِيَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يُعَلَّمُ الْبَيَانَ وَاللُّغَةَ، يُنْطَقُ لَهُ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ له وَيُشَارُ لَهُ إِلَى مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ مَشْهُودًا بِالْإِحْسَاسِ الظَّاهِرِ [أَوِ] الْبَاطِنِ، فَيُقَالُ لَهُ: لَبَنٌ، خُبْزٌ، أُمٌّ، أَبٌ، سَمَاءٌ، أَرْضٌ، شَمْسٌ، قَمَرٌ، مَاءٌ، وَيُشَارُ لَهُ مَعَ الْعِبَارَةِ إِلَى كُلِّ مُسَمًّى مِنْ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ، وَإِلَّا لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى اللَّفْظِ وَمُرَادَ النَّاطِقِ بِهِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يَسْتَغْنِي عَنِ التَّعْلِيمِ السَّمْعِيِّ، كَيْفَ وَآدَمُ أَبُو الْبَشَرِ أَوَّلُ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ -
تَعَالَى - أُصُولَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَهِيَ الْأَسْمَاءُ كُلُّهَا، وَكَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ بِخِطَابِ الْوَحْيِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ. فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى هِيَ بِوَاسِطَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا عَنَاهُ الْمُتَكَلِّمُ وَأَرَادَهُ، وَإِرَادَتُهُ وَعِنَايَتُهُ فِي قَلْبِهِ، ولَا يُعْرَفُ بِاللَّفْظِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ اللَّفْظِ حَتَّى يَعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُرَادَ هُوَ الَّذِي يُرَادُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَيُعْنَى بِهِ. فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ ثُمَّ سَمِعَ اللَّفْظَ مَرَّةً ثَانِيَةً، عَرَفَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِلَا إِشَارَةٍ إِلَيْهِ. وَإِنْ كَانَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا يُحَسُّ بِالْبَاطِنِ، مِثْلِ الْجُوعِ وَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَالْعَطَشِ وَالْحُزْنِ وَالْفَرَحِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ اسْمَ ذَلِكَ حَتَّى يَجِدَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا وَجَدَهُ استنزله إِلَيْهِ، وَعُرِّفَ أَنَّ اسْمَهُ كَذَا، وَالْإِشَارَةُ تَارَةً تَكُونُ إِلَى جُوعِ نَفْسِهِ أَوْ عَطَشِ نَفْسِهِ
، مِثْلَ أَنْ يَرَاهُ أَنَّهُ قَدْ جَاعَ فَيَقُولُ لَهُ: جُعْتَ، أَنْتَ جَائِعٌ، فَيَسْمَعُ اللَّفْظَ وَيَعْلَمُ مَا عَيَّنَهُ بِالْإِشَارَةِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تُعَيِّنُ
1 / 58