274

شرح العقيدة الطحاوية

شرح العقيدة الطحاوية

ویرایشگر

أحمد شاكر

ناشر

وزارة الشؤون الإسلامية

ویراست

الأولى

سال انتشار

١٤١٨ هـ

محل انتشار

والأوقاف والدعوة والإرشاد

مُتَفَاوِتُونَ فِي جَحْدِهَا وَإِنْكَارِهَا، وَأَعْظَمُ النَّاسِ لَهَا إِنْكَارًا الْفَلَاسِفَةُ الْمُسَمَّوْنَ عِنْدَ مَنْ يُعَظِّمُهُمْ بِالْحُكَمَاءِ، فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَلَا رُسُلِهِ وَلَا كُتُبِهِ وَلَا مَلَائِكَتِهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ أن الله سبحانه موجود مُجَرَّدٌ لَا مَاهِيَّةَ لَهُ وَلَا حَقِيقَةَ، فَلَا يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ بِأَعْيَانِهَا، وَكُلُّ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ جُزْئِيٌّ، وَلَا يَفْعَلُ عِنْدَهُمْ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَإِنَّمَا الْعَالَمُ عِنْدَهُمْ لَازِمٌ لَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَإِنْ سَمَّوْهُ مَفْعُولًا لَهُ فَمُصَانَعَةً وَمُصَالَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ فِي اللَّفْظِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ بِمَفْعُولٍ وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَا مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَسَائِرَ صِفَاتِهِ! فَهَذَا إِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ، وَأَمَّا كُتُبُهُ عندهم، فإنهم لا يصفونه بالكلام، فلا يكلم وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا قَالَ وَلَا يَقُولُ، وَالْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ فَيْضٌ فَاضَ مِنَ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ زَاكِي النَّفْسِ طَاهِرٍ، مُتَمَيِّزٍ عَنِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ بِثَلَاثِ خَصَائِصَ: قُوَّةِ الْإِدْرَاكِ وَسُرْعَتِهِ، لينال [من] الْعِلْمَ أَعْظَمَ مِمَّا يَنَالُهُ غَيْرُهُ! وَقُوَّةِ النَّفْسِ، لِيُؤَثِّرَ بِهَا فِي هَيُولَى الْعَالَمِ بِقَلْبِ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ! وَقُوَّةِ التَّخْيِيلِ، لِيُخَيِّلَ بِهَا الْقُوَى الْعَقْلِيَّةَ فِي أَشْكَالٍ مَحْسُوسَةٍ، وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَهُمْ! وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ مُنْفَصِلَةٌ تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ وَتَذْهَبُ وَتَجِيءُ وَتَرَى وَتُخَاطِبُ الرَّسُولَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أُمُورٌ ذِهْنِيَّةٌ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ.
وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ، فَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تكذيبا به وإنكارا له في الأعيان. وَعِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ لَا يَخْرَبُ، وَلَا تَنْشَقُّ السَّمَاوَاتُ وَلَا تَنْفَطِرُ، وَلَا تَنْكَدِرُ النُّجُومُ، وَلَا تُكَوَّرُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَلَا يَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَيُبْعَثُونَ إِلَى جَنَّةٍ وَنَارٍ! كُلُّ هَذَا عِنْدَهُمْ أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ لِتَفْهِيمِ الْعَوَامِّ، لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، كَمَا يَفْهَمُ مِنْهَا أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. فَهَذَا إِيمَانُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ - الذَّلِيلَةِ الْحَقِيرَةِ - بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَهَذِهِ هِيَ أُصُولُ الدِّينِ الْخَمْسَةُ.
وَقَدْ أَبْدَلَتْهَا الْمُعْتَزِلَةُ بِأُصُولِهِمُ الْخَمْسَةِ الَّتِي هَدَمُوا بِهَا كَثِيرًا مِنَ الدِّينِ: فَإِنَّهُمْ بَنَوْا أَصْلَ دِينِهِمْ عَلَى الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ، الَّذِي هُوَ الْمَوْصُوفُ وَالصِّفَةُ عِنْدَهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِالصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ الْأَعْرَاضُ، عَلَى حُدُوثِ الْمَوْصُوفِ الَّذِي هُوَ

1 / 277