شرح العقيدة الطحاوية
شرح العقيدة الطحاوية
ویرایشگر
أحمد شاكر
ناشر
وزارة الشؤون الإسلامية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٨ هـ
محل انتشار
والأوقاف والدعوة والإرشاد
ژانرها
عقاید و مذاهب
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ ...
وَقَدْ يَشْعُرُ بِمَرَضِهِ، وَلَكِنْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ مَرَارَةِ الدَّوَاءِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَيُؤْثِرُ بَقَاءَ أَلَمِهِ عَلَى مَشَقَّةِ الدَّوَاءِ، فَإِنَّ دَوَاءَهُ فِي مُخَالَفَةِ الْهَوَى، وَذَلِكَ أَصْعَبُ في النَّفْسِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْفَعُ مِنْهُ، وَتَارَةً يُوَطِّنُ نَفْسَهُ عَلَى الصَّبْرِ، ثُمَّ يَنْفَسِخُ عَزْمُهُ وَلَا يَسْتَمِرُّ مَعَهُ، لِضَعْفِ عِلْمِهِ وَبَصِيرَتِهِ وَصَبْرِهِ، كَمَنْ دَخَلَ فِي طَرِيقٍ مَخُوفٍ مُفْضٍ إِلَى غَايَةِ الْأَمْنِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ صَبَرَ عَلَيْهِ انْقَضَى الْخَوْفُ وَأَعْقَبَهُ الْأَمْنُ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى قُوَّةِ صَبْرٍ وَقُوَّةِ يَقِينٍ بِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ، وَمَتَى ضَعُفَ صَبْرُهُ وَيَقِينُهُ رَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَتَحَمَّلْ مَشَقَّتَهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ عَدِمَ الرَّفِيقَ وَاسْتَوْحَشَ مِنَ الْوَحْدَةِ وَجَعَلَ يَقُولُ: أَيْنَ ذَهَبَ النَّاسُ فَلِي أُسْوَةٌ بِهِمْ! وَهَذِهِ حَالُ أكثر الخلق، وهي التي أهلكتهم. فالصابر الصَّادِقُ لَا يَسْتَوْحِشُ مِنْ قِلَّةِ الرَّفِيقِ وَلَا مِنْ فَقْدِهِ، إِذَا اسْتَشْعَرَ قَلْبُهُ مُرَافَقَةَ الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ، ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (١).
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي شَامَةَ - فِي كِتَابِ الْحَوَادِثُ وَالْبِدَعُ -: حَيْثُ جَاءَ الْأَمْرُ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، فَالْمُرَادُ لُزُومُ الْحَقِّ وَاتِّبَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَمَسِّكُ بِهِ قَلِيلًا وَالْمُخَالِفُ لَهُ كَثِيرًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ الْأُولَى مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وأصحابه، وَلَا نَنْظُرُ إِلَى كَثْرَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ بَعْدَهُمْ. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ﵀ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ - وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ- بَيْنَ الْغَالِي وَالْجَافِي. فَاصْبِرُوا عَلَيْهَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ كَانُوا أَقَلَّ النَّاسِ فِيمَا مَضَى، وَهُمْ أَقَلُّ النَّاسِ فِيمَا بَقِيَ، الَّذِينَ لَمْ يَذْهَبُوا مَعَ أَهْلِ الْإِتْرَافِ فِي إِتْرَافِهِمْ، وَلَا مع أهل البدع في بدعتهم، وَصَبَرُوا عَلَى سُنَّتِهِمْ حَتَّى لَقَوْا رَبَّهُمْ، فَكَذَلِكَ فكونوا.
(١) سورة النساء آية ٦٩.
1 / 252