104

شرح الزرقانی بر موطأ امام مالک

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

پژوهشگر

طه عبد الرءوف سعد

ناشر

مكتبة الثقافة الدينية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

۱۴۲۴ ه.ق

محل انتشار

القاهرة

ژانرها

علوم حدیث
لَا غَايَةَ لَهُ، ثُمَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالصَّغَائِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ، قَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ، لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ خَصُّوهُ بِالصَّغَائِرِ لِوُرُودِهِ مُقَيَّدًا بِاسْتِثْنَاءِ الْكَبَائِرِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ، فَمَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا صَغَائِرُ كُفِّرَتْ عَنْهُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْكَبَائِرُ خُفِّفَ عَنْهُ مِنْهَا بِمِقْدَارِ مَا لِصَاحِبِ الصَّغَائِرِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ صَغَائِرُ وَلَا كَبَائِرُ يُزَادُ فِي حَسَنَاتِهِ بِنَظِيرِ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: " «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ» " وَفِي هَذَا كُلِّهِ فَضْلُ الْوُضُوءِ وَأَنَّهُ مُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ وَشَرَفُ الصَّلَاةِ عَقِبَهُ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ يُكَفَّرُ بِهَا ذُنُوبٌ كَثِيرَةٌ بِمَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ مَحْضِ الْجَزَاءِ وَتَقْدِيرِ الثَّوَابِ بِالْفِعْلِ لَكَانَتِ الْعِبَادَةُ الْوَاحِدَةُ تُكَفِّرُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، فَلَمَّا كَفَّرَتْ ذُنُوبًا كَثِيرَةً عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حُكْمِ الْمُقَابَلَةِ وَلَا عَلَى مُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ بَلْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ الْعَمِيمِ.
(قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ) أَيْ أَظُنُّ عُثْمَانَ (يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ [هود: ١١٤] الْغَدَاةَ وَالْعَشِيَّ أَيِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (وَزُلَفًا) جَمْعُ زُلْفَةٍ أَيْ طَائِفَةً (مِنَ اللَّيْلِ) الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (إِنَّ الْحَسَنَاتِ) كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) الذُّنُوبُ الصَّغَائِرُ (ذَلِكَ ذِكْرَى) عِظَةٌ (لِلذَّاكِرِينَ) الْمُتَّعِظِينَ، «نَزَلَتْ فِيمَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً فَأَخْبَرَهُ ﷺ فَقَالَ: أَلِيَ هَذَا؟ قَالَ: " لِجَمِيعِ أُمَّتِي» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
قَالَ الْبَاجِيُّ: وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَصِحُّ الرِّوَايَتَانِ أَنَّهُ آيَةٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ [البقرة: ١٥٩] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٥٩) زَادَ مُسْلِمٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّاعِنُونَ﴾ [البقرة: ١٥٩] وَالْمَعْنَى: لَوْلَا آيَةٌ تَمْنَعُ مِنْ كِتْمَانِ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا تَصِحُّ رِوَايَةُ النُّونِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَزَادَ: وَالصَّحِيحُ تَأْوِيلُ عُرْوَةَ، قَالَ الْحَافِظُ: لِأَنَّ عُرْوَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ بِالْجَزْمِ فَهُوَ أَوْلَى أَيْ لِأَنَّ مَالِكًا ظَنَّهُ، قَالَ: وَهِيَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ ذَلِكَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ لَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَالنَّاسَ يَسْأَلُونَهُ يَقُولُ: لَوْلَا آيَةٌ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَا أَخْبَرْتُ بِشَيْءٍ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ [البقرة: ١٥٩] الْآيَةَ، ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَحْصُلُ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ حَتَّى يَنْضَافَ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ ; لِأَنَّ الثَّوَابَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى مَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ خَارِجٍ، وَلَا يُعَارِضُهُ الْأَحَادِيثُ التَّالِيَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ مَعَ الْوُضُوءِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْوُضُوءِ نَفْيًا مِنَ الذُّنُوبِ، ثُمَّ

1 / 154