181

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

ژانرها

الإنعام الحقيقي وبيان عقيدة أهل السنة وغيرهم في ذلك
قال رحمه الله تعالى: [وأما الإنعام بالدين الذي ينبغي طلبه فهو ما أمر الله به من واجب ومستحب، فهو الخير الذي ينبغي طلبه باتفاق المسلمين، وهو النعمة الحقيقية عند أهل السنة، إذ عندهم أن الله هو الذي أنعم بفعل الخير، والقدرية عندهم إنما أنعم بالقدرة عليه الصالحة للضدين فقط].
القدرية يقفون عند مسألة ما المقصود بـ (الإنعام)؟ فيقولون: هو إقدار الإنسان فقط، أي: إقدار الإنسان على الفعل، لكن الإنسان إذا فعل الخير كان في حقه نعمة، وكذلك إذا فعل الشر كان في حقه نعمة، ولا يجعلون ذلك من تقدير الله ﷿، فيقولون: قدر الله ونعمة الله تقف عند إقدار العبد، ولذلك قالوا: إن الأعمال عند العبد قابلة للضدين بدون أن يكون الله قدر ذلك بزعمهم، تعالى الله عما يقولون، فإن فعل العبد الخير وقع القدر على ما يرضي الله، وإن فعل الشر وقع القدر على ما لا يرضي الله، وباستقلال من العبد، وعلى هذا يقولون: إن الإنسان هو الفاعل استقلالًا من دون الله سبحانه، ويقفون في مسألة تقدير النعمة لله، أو إضافة النعمة إلى الله ﷿، أو الفضل أو القدرة بأنها واقفة عند إعطاء الإنسان القدرة فقط، فهم يرون أن الإنسان هو الفاعل، ويرون أن فعل الخير ليس بتوفيق الله ﷿، وإنما الإنسان بمحض إرادته فعل الخير.
ولذلك هم لا يعترفون بالتوفيق، ويرون أن الإنسان مثل الآلة المبرمجة، فإن فعل الخير كان هذا مما علمه الله بعد فعله، ولذلك قالوا: لا قدر والأمر أنف، يعني: أمر حادث الحصول، وحادث العلم عند الله، وكأن الله لم يعلمه، بل زعموا أن الله لم يعلمه ولم يقدره، وإن كان بعض القدرية المتأخرين قالوا: نثبت العلم، لكن العلم يقف عند الإقدار، أي: إقدار العبد على الفعل، فمن فعل خيرًا فذلك بمحض مشيئته، وليس بتوفيق من الله ﷿، ومن فعل شرًا فذلك بمحض مشيئته، وليس بتقدير الله ﷿، ومن هنا اختلف قولهم عن قول أهل السنة، فأهل السنة يرون أن النعم الحقيقية من الله ﷿ ابتداء وانتهاء، وأن الإنسان إن فعل الخير -وإن كان الله هو الذي أقدره عليه- فبنعمة الله وبفضله وتوفيقه، وإن فعل الشر فالله هو الذي أقدره عليه، لكن بخذلان الله له، أي: خذله الله ﷿ ولم يوفقه ولم يسدده، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مقام آخر: إن مشكلة القدرية أنهم لم يفرقوا بين الإرادة الكونية العامة وبين الإرادة الشرعية، فجعلوا ما يريده الله شرعًا كأنه قدره كونًا، وما قدره الله كونًا لابد أن يكون قد أراده شرعًا.
فلذلك قالوا: نظرًا لأن الله لم يرد الشر إذًا لم يخلقه، وهذه مسألة فيها لبس وفيها غموض، فجعلت كثيرًا من عوام المسلمين قديمًا وبعض طلاب العلم الذين لم يتمكن الدين والعقيدة من قلوبهم يقعون في مذهب القدرية؛ لأنهم وقعوا على قضية حساسة أحدثوا في الذهن شبهة ولم يعرفوا علاجها، وكذلك الناس لو حصنوا بقواعد القدر ما انطلت عليهم مثل هذه الشبهات.
المهم أن قوله: (الصالحة للضدين) هذا بزعم القدرية فهم يزعمون أن الله ﷿ أعطى العبد قدرة ثم تخلى عنه وجعل هذه القدرة صالحة لفعل الشر ولفعل الخير من العبد نفسه لا من تقدير الله، هذا معنى الكلام.

16 / 4