هذا حديث صحيح متفق على صحته وعظيم موقعه وجلالته وكثرة فوائده رواه الإمام أبو عبد الله البخاري، في غير موضع من كتابه، ورواه أبو الحسين مسلم بن الحجاج في آخر كتاب الجهاد، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال الإمام أحمد، والشافعي، رحمهما الله " يدخل في حديث الأعمال بالنيات ثلث العلم " قاله البيهقي، وغيره. وسبب ذلك أن كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه والنية أحد الأقسام الثلاثة. وروي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه، وقال جماعة من العلماء هذا الحديث ثلث الإسلام.
واستحب العلماء أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث، ومن ابتدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد الله البخاري، وقال عبد الرحمن بن مهدي، ينبغي لكل من صنف كتابا أن يبتدئ فيه بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.
وهذا حديث مشهور بالنسبة إلى آخره غريب بالنسبة إلى أوله لأنه لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولك يروه عن عمر، إلا علقمة بن أبي وقاص ولم يروه عن علقمة إلا مجمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم اشتهر بعد ذلك فرواه عنه أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة.
ولفظة " إنما " للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه وهي تارة تقتضي الحصر وتارة تقتضي حصرا مخصوصا يفهم ذلك بالقرائن كقوله تعالى: (إنما أنت منذر) فظاهر الحصر في النذارة والرسول لا ينحصر في ذلك بل له أوصاف كثيرة جميلة كالبشارة وغيرها وكذلك قوله تعالى: ( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) فظاهره والله أعلم الحصر باعتبار من آثرها وأما بالنسبة إلى ما في نفس الأمر فقد تكون سببا إلى الخيرات ويكون ذلك من باب التغليب فإذا وردت هذه اللفظة فاعتبرها فإن دل السياق والمقصود من الكلام على الحصر في شيء مخصوص فقل به وإلا فاحمل الحصر على الإطلاق ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات " والمراد بالأعمال الأعمال الشرعية ومعناه لا يعتد بالأعمال دون النية مثل الوضوء وا؟لغسل والتيمم وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات، فأما إزالة النجاسة فلا تحتاج إلى نية لأنها من باب التروك والترك لا يحتاج إلى نية، وذهب جماعة إلى صحة الوضوء والغسل بغير نية.
وفي قوله: " إنما الأعمال بالنيات " محذوف واختلف العلماء في تقديره فالذين اشترطوا النية قدروا صحة الأعمال بالنيات، والذين لم يشترطوها قدروا كمال الأعمال بالنيات.
وقوله: " وإنما لكل امرئ ما نوى " قال الخطابي يفيد معنى خاصا غير الأول وهو تعيين العمل بالنية، وقال الشيخ محيي الدين النووي: فائة ذكره أن تعيين المنوي شرط فلو كان على إنسان صلاة مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل يشترط أن ينوي كونها ظهرا أو عصرا أو غيرهما ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك والله أعلم.
وقوله: " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " المتقرر عند أهل العربية أن الشرط والجزاء والمبتدأ والخبر لا بد أن يتغايرا وههنا قد وقع الاتحاد وجوابه " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله " نية وقصدا " فهجرته إلى الله ورسوله " حكما وشرعا.
وهذا لحديث ورد على سبب لأنهم نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس لا يريد بذلك فضيلة الهجرة فكان يقال له مهاجر أم قيس والله أعلم.
بيان الإسلام والإيمان والإحسان
2 - " عن عمر رضي الله عنه أيضا قال: " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. فعجبنا له أن يسأله ويصدقه قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الساعة.قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " رواه مسلم " .
صفحه ۶