على أنَّ الأوَّل مفعولٌ به، وجملة (يقول) حاليَّةٌ، ثمَّ الأوَّل بتقدير مضافٍ أي: سمعتُ كلامه؛ لأنَّ السَّمع لا يقع على الذوات، ثم بيَّن المحذوفَ بالحال المذكور وهو (يقول) وهي حال مُبيِّنَةٌ لا يجوز حذفها.
وقول الفارسيِّ في الإيضاح: إنَّ الواقع بعد (سمعت) إن كان يُسمع: تعدَّت إلى مفعولٍ، كـ (سمعت القرآنَ والحديثَ) أو لا: فإلى مفعولين كـ (سمعت رسول الله يقول) فجملة (يقول) مفعولٌ ثانٍ، رُدَّ: بأنَّه لو كان يتعدَّى لاثنين كان إمَّا من باب (أعطيت) ولا يجوز؛ لأنَّ ثاني مفعوليه لا يكون جملةً ولا مُخْبَرًا به عن الأوَّل، و(سمعت) بخلافه، أو (ظننت) ولا يجوز؛ لصحَّة (سمعت كلام زيد) فتُعَدِّيْه إلى واحدٍ، ولا ثالث للبابين وقد بطلا، فتعيَّنَ الأوَّلُ.
قال ابن الدّهَّان: (ولا يُخْتَار: (سمعت زيدًا قائلًا) إلا أن يعلِّقه بشيء آخر؛ لأنَّ (قائلًا) موضوعٌ للذات، والذات غير موضوعةٍ للسمع) (١).
سادسًا: عنايته بالجانب الوعظيِّ الإيمانيِّ، وترسيخ مبدأ الزهد عن الدنيا بذكر مساوئها وحقارتها، فمثلًا قال عن الحديث الحادي والثلاثين:
(وقد تضمَّن الحثَّ على التقلُّلِ من الدُّنيا فالنَّظرِ إليها بعينِ الحقارة؛ وذلك لِما تطابقتْ عليه المللُ والنِّحَلُ حتى من أنكرَ المعاد، فمِلاكُ هذا الدِّين وسلوكُ سبيل الناجين: الزُّهد فيها والإعراض عنها؛ ولهذا كان محطَّ نظرِ السَّلفِ الصَّالحِ: التَّجرُّدُ المطلقُ عن علائقها) (٢).
سابعًا: تعقّباته على الشُّرَّاح، فمثلًا تعقَّب على الطوفيِّ في مسألة المصلحة فقال:
(وعُلِمَ ممّا تقررَّ: أنّه لو ورد دليلٌ خاصٌّ بضررٍ خاصٍّ خُصِّصَ به العمومُ، على القاعدة الأصوليَّة من تقديم الخاصِّ على العامِّ، ولا نظرَ حينئذٍ لرعاية المصالح، خلافًا لما أطال به الشارح الطوفيُّ هنا، وبسط الكلام عليه في نحو كرَّاسين، وزعم أنَّ المصلحة تُقدَّم على جميع الأدلَّة حتّى النصِّ والإجماعِ!، ومع عدم الورود تُرَاعَى المصالحُ إثباتًا، والمفاسدُ
_________
(١) ص (١٧٣) من هذا الكتاب.
(٢) ص (١٤٥) من هذا الكتاب.
1 / 58