مصطلح الشريعة أجل من مصطلح الحقيقة
لا شك أن مصطلح الشريعة أجل من مصطلح الحقيقة؛ لأن مصطلح الشريعة أصله حرف شرعي، فإن الله ذكر مسألة الشرع والتشريع في مثل قوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ [الشورى:١٣] وما إلى ذلك، فوصل الغلو عند بعض الخاصة إلى الفصل بين الشريعة وبين الحقيقة، حتى صار عند كثير من هؤلاء الغالية أن أوصلوا كثيرًا من الشريعة العملية لأحوال ومقامات جعلوها من الحقيقة التي هي في نظر غاليتهم أجل من الشريعة.
وإن كان ليس كل من تكلم بالشريعة والحقيقة منهم يلزم أن يكون على هذا الفصل، بل منهم من يكون مقتصدًا في تقرير هذا المعنى، ومنهم من يكون غاليًا فيه.
هذه الصور الثلاث من صور الاجتهاد هي التي أوجدت عند الخاصة خروجًا عن الوسطية الشريعة، وقد ابتلي الخاصة بهذا الاجتهاد، وهم قد لا يسمونه اجتهادًا، وإنما يسمونه ذوقًا أو كشفًا أو مقامًا أو حالًا أو ما إلى ذلك، فهو حال اجتهاد بمعنى: حركة في رسم مفهوم السلوك وتطبيقه، وهو إما اجتهاد مع نص، والنص هنا إما نص كلي وإما قاعدة كقاعدة أن العبادات توقيفية، وإما أنه اجتهاد في فقه على غير قواعد السابقين الأولين لتحصيل العبادة والفعل من أوجه من النصوص، وإما أنه اجتهاد في ترتيب منازل الشريعة على غير الترتيب الذي مضت به النصوص.
هذه الصور الثلاث هي التي ابتلي بها كثير من الخاصة أو أكثرهم، وإن كانت مخالفتهم فيها قد تكون مخالفة مقتصدة، وقد تكون فوق ذلك، وقد تكون غالية؛ فإن من الصوفية مقتصدين، أي: مقاربين للسنة والجماعة في الجملة، ومنهم فوق ذلك، ومنهم من يكون غاليًا في تصوفه.
5 / 11