شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
ژانرها
أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق
قوله رحمه الله تعالى: (فإن الله بعث محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا).
هذا اقتباس من قوله ﷿ في سورة الفتح: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح:٢٨].
ومحمد هو رسول الله ﷿، بعثه الله إلى الخلق كافة.
الهدى هو العلم النافع الذي جاء به ﵊ من الوحي الذي أنزله الله عليه، وهو القرآن بواسطة جبرائيل، قال سبحانه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ [الشعراء:١٩٣ - ١٩٤].
وكذلك السنة، فإنها وحي ثانٍ، كما قال ﷾: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣ - ٤]، والقرآن كلام الله باللفظ والمعنى، والسنة تنقسم إلى قسمين: أحاديث قدسية، وأحاديث غير قدسية.
فالأحاديث القدسية لفظها ومعناها من الله فهي مثل القرآن، ولهذا يرويه النبي ﷺ عن ربه، كما في حديث أبي ذر عن رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه ﷿ أن الله تعالى قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم)، إلى آخر الحديث.
وكذلك حديث: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).
وهنالك أحكام خاصة يختلف فيها الحديث القدسي عن القرآن: فالقرآن متعبد بتلاوته، والحديث القدسي غير متعبد بتلاوته، القرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والحديث القدسي يمسه غير المتوضئ، القرآن معجز بلفظه، والحديث القدسي غير معجز بلفظه، والقرآن يتفاضل بعضه أفضل عن بعض، مثل سورة الإخلاص: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:١] فإنها تعدل ثلث القرآن.
أما الأحاديث غير القدسية فهي من الله معنى، ومن الرسول ﷺ لفظًا.
وفي بعض كتب أصول التفسير كالإتقان للسيوطي وغيره ذكر أن الحديث القدسي لفظه من النبي ﷺ؛ وهذا يتمشى مع مذهب الأشاعرة الذين يرون أن كلام الله معنى قائم بنفسه ليس بحرف ولا صوت، ولم يسمع جبريل منه شيء، ولكن الله اضطر جبريل، ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذا القرآن، فهو كلام جبريل، أما الله فلم يتكلم بحرف ولا صوت، ومن الأشاعرة من يقول: إن الذي عبر به هو محمد وليس جبريل، ومنهم من يقول: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح، فهذه ثلاثة أقوال للأشاعرة وكلها أقوال باطلة، والصواب: أن القرآن كلام الله لفظًا ومعنىً، وأن الله تكلم به، فسمعه جبرائيل من الله، ثم أنزله على قلبه ﷺ.
وقوله ﵀: (ودين الحق) هو العمل الصالح، فالله تعالى بعث محمدًا بالعلم النافع والعمل الصالح.
وقوله رحمه الله تعالى: (ليظهره على الدين كله).
أي: ليجعله عاليًا مرتفعًا منصورًا على جميع الأديان.
وقوله رحمه الله تعالى: (وكفى بالله شهيدًا): وكفى به ﷾ شهيدًا وحاضرًا وكفيلًا بأن يظهر دين الإسلام على جميع الأديان ويجعله عاليًا ظاهرًا منصورًا.
1 / 18