شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
ژانرها
ذكر الأمور العظيمة التي جرت في خلافة يزيد بن معاوية
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وَجَرَتْ فِي إمَارَتِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ: أَحَدُهَا مَقْتَلُ الحسين ﵁، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الحسين، وَلَا أَظْهَرَ الْفَرَحَ بِقَتْلِهِ؛ وَلَا نَكَّتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ ﵁ وَلَا حَمَلَ رَأْسَ الحسين ﵁، إلَى الشَّامِ، لَكِنْ أَمَرَ بِمَنْعِ الحسين ﵁ وَبِدَفْعِهِ عَنْ الْأَمْرِ وَلَوْ كَانَ بِقِتَالِهِ، فَزَادَ النُّوَّابُ عَلَى أَمْرِهِ، وحض الشمر بن ذي الجوشن الجيوش عَلَى قَتْلِهِ لعبيد الله بن زياد؛ فَاعْتَدَى عليه عبيد الله بن زياد، فَطَلَبَ مِنْهُمْ الحسين ﵁ أَنْ يَجِيءَ إلَى يزيد، أَوْ يَذْهَبَ إلَى الثَّغْرِ مُرَابِطًا أَوْ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ فَمَنَعُوهُ ﵁ إلَّا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَأَمَرَ عمر بن سعد بِقِتَالِهِ فَقَتَلُوهُ مَظْلُومًا لَهُ وَلِطَائِفَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ﵃.
وَكَانَ قَتْلُهُ ﵁ مِنْ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ، فَإِنَّ قَتْلَ الحسين، وَقَتْلَ عثمان قَبْلَهُ كَانَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْفِتَنِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَتَلَتُهُمَا مِنْ شِرَارِ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.
] يقول المؤلف ﵀: وجرت في إمارة يزيد بن معاوية أمور عظيمة، أحدها: مقتل الحسين، فقد قتل ﵁ في إمارة يزيد بن معاوية، ويزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين، ولا أظهر الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه، ولا حمل رأس الحسين إلى الشام، كما يقول بعض الجهال، وبعضهم يقول: إنه حمل إلى مصر، وجعلوا له مشهدًا في مصر يسمونه: رأس الحسين.
وهناك مسجد يسمونه: مسجد الحسين يطاف به، مع أن الحسين ما جاء إلى مصر، ولا نقل رأسه إلى مصر، ولا شيء من ذلك، بل هو مدفون في العراق، فما الذي أتى به إلى مصر حتى يُجعل له مشهد ومزار؟! فـ يزيد ما أمر بقتل الحسين، ولا أظهر الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه، ولا حمل رأس الحسين إلى الشام، لكنه أمر بمنع الحسين عنه وبدفعه عن الأمر ولو كان بقتاله، لا لأنه جاء إلى العراق؛ لأن أهل العراق وعدوه بأنهم سيبايعونه على الخلافة، فلما علم يزيد بذلك أمر بمنعه ودفعه عن الأمر ولو كان بالقتال، فحض الشمر عبيد الله بن زياد على قتله، فاعتدى عليه عبيد الله بن زياد وأمر عمر بن سعد بقتاله، فقتلوه مظلومًا له ولطائفة من أهل بيته ﵃، وكان قتل الحسين من أعظم المصائب، كذلك قتل عثمان كان من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة.
قال رحمه الله تعالى: [وَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُهُمْ ﵃ عَلَى يزيد بن معاوية أَكْرَمَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ ابن زياد عَلَى قَتْلِهِ، وَقَالَ: كُنْت أَرْضَى مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِدُونِ قَتْلِ الحسين، لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إنْكَارُ قَتْلِهِ، وَالِانْتِصَارُ لَهُ، وَالْأَخْذُ بِثَأْرِهِ، وكَانَ هُوَ الْوَاجِبَ عليه، فَصَارَ أَهْلُ الْحَقِّ يَلُومُونَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِلْوَاجِبِ مُضَافًا إلَى أُمُورٍ أُخْرَى، وَأَمَّا خُصُومُهُ فَيزيدونَ عليه مِنْ الْفِرْيَةِ أَشْيَاءَ].
يقول المؤلف: (لما قدم أهلهم) أي: أهل الحسين ومن معه بعد قتل الحسين وقتل من معه، فقد قدم أهل الحسين ومن معه على يزيد بن معاوية فأكرمهم وسيرهم إلى المدينة، وروي عنه أنه لعن عبيد الله بن زياد على قتله؛ لأنه كان واليًا على العراق، فـ يزيد بن معاوية لما بلغه ذلك لعن ابن زياد على قتله، وقال: كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين، يعني: أنا أريد أن يخضعوا للخلافة، (لكن مع هذا لم يظهر منه إنكار قتله، والانتصار له، والأخذ بثأره) يعني: كما أن يزيد لم يرض بقتل الحسين، إلا أنه لم ينكر هذا، ولا أظهره، فهو ما رضي ولا أحب ولا كره، ما أحب قتل الحسين، ولا كره قتله، (فصار أهل الحق يلومون يزيد على ترك الواجب مضافًا إلى أمور أخرى، وأما خصوم يزيد فيكذبون عليه، ويزيدون عليه أشياء.
[وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي: فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ نَقَضُوا بَيْعَتَهُ، وَأَخْرَجُوا نُوَّابَهُ وَأَهْلَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ جَيْشًا؛ وَأَمَرَهُ إذَا لَمْ يُطِيعُوهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَنْ يَدْخُلَهَا بِالسَّيْفِ وَيُبِيحَهَا ثَلَاثًا، فَصَارَ عَسْكَرُهُ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ وَيَفْتَضُّونَ الْفُرُوجَ الْمُحَرَّمَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَ جَيْشًا إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، فَحَاصَرُوا مَكَّةَ وَتُوُفِّيَ يزيد وَهُمْ مُحَاصِرُونَ مَكَّةَ، وَهَذَا مِنْ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ الَّذِي فُعِلَ بِأَمْرِهِ].
الأمر الأول: قتل الحسين، والأمر الثاني: نقض أهل المدينة لبيعة يزيد، فقد نقضوا بيعته، وأخرجوا نوابه وأهله، فبعث إليهم يزيد جيشًا لإخضاعهم، وأمر القائد إذا لم يطيعوا ولم يرجعوا إلى الطاعة خلال ثلاثة أيام أن يدخلها بالسيف، وأن يبيحها مدة ثلاثة أيام، فمن زنى أو سرق أو قتل فلا يقام عليه الحد، هذا معنى الإباحة، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثًا يقتلون من شاءوا، وينهبون ما شاءوا، ويفتضون الفروج المحرمة، ثم أرسل يزيد جيشًا إلى مكة المشرفة فحاصروا مكة؛ لأن فيها عبد الله بن الزبير، فتوفي يزيد وهم يحاصرون مكة.
10 / 11