Sharh Al-Wasatiyyah - Yusuf Al-Ghafis
شرح الواسطية - يوسف الغفيص
ژانرها
تنزيه الله عن السمي والكفء والند والولد والشريك
قال المصنف ﵀: [وقوله: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:٦٥] وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٤]].
(فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي: لما كان سبحانه لا سمي له، دل على أنه هو وحده المستحق للعبادة، وهذا من إثبات توحيد العبادة، بذكر توحيد الربوبية.
قال المصنف ﵀: [وقوله: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:٧٨]].
وهذا اسمه الذي وصفه الله بكونه تبارك، هو أسماؤه ﷾، فليس المراد اسم الرب فحسب، بل ذلك يتعلق بسائر أسمائه، فإن سائر أسمائه تلحقها هذه الصفة، وهذا التعظيم الذي ذكره الله في قوله: (تَبَارَكَ).
قال المصنف ﵀: [وقوله: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٢٢]، وقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة:١٦٥]].
لِمَ ذكر المصنف هذه الآية (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ) مع أنه ليس فيها إثبات لصفة من صفات الله؟
الجواب: أن هذا من باب التنزيه، وفيها إثبات لاسم الله ﷾ وما يقتضيه من المعنى، فذكرها المصنف من باب التنزيه، فإن الله منزهٌ عما لا يليق به ﷾ في أسمائه وصفاته وفي أفعاله وفي عبوديته.
قال المصنف ﵀: [وقوله: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء:١١١]].
من حكمته تعالى أنه لما ذكر الولد نفاه ولما ذكر الشريك نفاه، ولما ذكر الولي نفاه عن تقييد، قال: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ)، فإن الولي ثابت في مثل قوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس:٦٢] ومثل قول النبي عن ربه: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب)، ومثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ﴾ [المائدة:٥٥] فهذه الولاية لم تكن من الذل، والذي نفي هنا أن يكون له ﷾ وليٌ من الذل.
قال المصنف ﵀: [وقوله: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التغابن:١]].
هذا مستفتح يكثر ذكره في القرآن، ولا سيما في مفصله، (يسبح) أو (سبح) يقول الله تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) وقد كثر كلام المفسرين حول هذا التسبيح ومعناه، فمنهم من قال: إنه سكونها، ومنهم من قال: أنها حصلت بأمره، وبقوله: كن، فكانت، ومنهم من قال: إن تسبيحها هو أنها جاءته طوعًا إلى غير ذلك من التفاسير.
والحق أن ذلك لو رد إلى آية في كتاب الله لكان أجود، ولكان هو الأهدى، فإن من باب تفسير القرآن بعضه ببعض.
والآية التي ينبغي أن ترد إليها هذه الآيات هي قوله: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء:٤٤].
ووجه الرد إليها أن فيها قوله تعالى: (وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)، فدل على أن الآيات أريد بها الخبر المحض، والتصديق المحض، وأما المعنى الذي يراد به التسبيح، فإننا لا نعلمه، ولا يستلزم هذا أن ما ذكره بعض السلف في تسبيح هذه المخلوقات يكون غلطًا؛ فإن العلم بوجه من أوجه التسبيح لا يستلزم العلم بمطلقه، وعدم العلم بمفصله لا يستلزم عدم العلم بشيءٍ من مجمله.
فلا شك أن ثمة أوجهًا من تسبيح هذه المخلوقات معلوم، وأما تفصيل ذلك، فلا أحد يعلمه، بل هو من علم الله ﷾ لقوله تعالى: (وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) وإذا كان الله تعالى يقول: (وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فلا يجوز لأحدٍ بعد ذلك أن يتكلف فقهًا يفسر به المراد بالتسبيح جميعه.
قال المصنف ﵀: [وقوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:١ - ٢] وقوله: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون:٩١ - ٩٢]].
الآية الأولى فيها تنزيه لله ﷾ وإثبات لكماله، وأنه نزل الفرقان: أي القرآن، وإنما سمي كذلك؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال.
(عَلَى عَبْدِهِ) على نبيه ﷺ.
(لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ) المراد بهم هنا أهل التكليف من الإنس والجن.
(نَذِيرًا) أي: منذرًا لهم من شر كفرهم وضلالهم وبغيهم.
وأما قوله: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) فهذه الآية عني أهل الكلام بذكرها، فإنهم لما ذكروا أصل المعرفة المتعلقة بوجود الله، بنوا ذلك على دليلٍ سموه في كتبهم دليل التمانع، وهذا معروف في علم الكلام، وزعموا أن دليل التمانع هذا هو المذكور في قول الله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
وهذا الربط بين ما يسمى عند المتكلمين بدليل التمانع وبين هذه الآية لا شك أنه غلط.
والمتقدمون من السلف ما عنوا بدليل التمانع؛ لم يقولوا به ولم يبطلوه، لأنهم لم يشتغلوا بالنظر في كلام مخالفيهم، وإنما عارضوا مخالفيهم بالنصوص فحسب، لكن من ذكره من أهل السنة فيما بعد وأرادوا الرد على أهله، انقسموا إلى قسمين:
بعض أهل السنة المتأخرين قالوا: إن دليل التمانع دليل باطل، وإن الحق هو الدليل المذكور في القرآن، وفرقوا بين دليل التمانع وبين هذه الآية تفريقًا مطلقًا يستلزم إبطال دليل التمانع.
طائفة من أهل السنة صححوا دليل التمانع، ولكنهم قالوا: إنه دليلٌ فيه إجمالٌ وقصور، وليس مناسبًا لمفصل ما ذكر في القرآن.
والصواب: أنه دليل قاصر؛ لما فيه من الإجمال، وإلا فإن أصله صحيح، ودليل التمانع تثبت به الجملة من الربوبية، ولكنه من الأدلة القاصرة المجملة، وليس هو من الأدلة الباطلة بطلانًا محضًا، ولا شك أنه ليس على معنى قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ).
إذًا: ثمة ثلاثة مسالك:
المسلك الأول: مسلك المتكلمين أهل هذا الدليل، فهؤلاء سووا بينه وبين قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ) فهذه التسوية غلط.
المسلك الثاني: مسلك طائفة من محققي أهل السنة الذين تكلموا فيه كـ شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قالوا: إنه دليل قاصر مجمل، وليس هو معنى الآية، بل الآية أشرف من جهة الدلالة والاقتضاء، وهذا هو المنهج الصحيح.
المسلك الثالث: من فرق بينه وبين الآية فقال: إنه دليل باطل لا يصح، وهذا فيه قدر من الزيادة.
10 / 11