Sharh Al-Wasatiyyah - Yusuf Al-Ghafis
شرح الواسطية - يوسف الغفيص
ژانرها
مسألة تقسيم الدين إلى أصول وفروع
نذكر قاعدة بين يدي هذا التقسيم، وهي أن جمهور التقاسيم سواء كانت في باب الاعتقاد أو باب الشريعة فضلًا عن مسائل العلم الأخرى كمسائل اللغة ونحوها، جمهور هذه التقاسيم اصطلاح، فينظر إليها باعتبار المعاني، أما باعتبار الألفاظ، فإن الأصل أنه لا مشاحة في الاصطلاح.
ولكن الشأن يكون باعتبار معانيها، فهل هذه الألفاظ والمصطلحات وضعت لها معانٍ مناسبة للمعاني الشرعية التي بعث بها النبي ﵊ أم لا؟
هناك أمثلة كثيرة: كتقسيم الدين إلى أصول وفروع، وكمسألة الحقيقة والمجاز، والآحاد والمتواتر، وغير هذه التقاسيم، وإنما ذكرت هذه التقاسيم الثلاثة؛ لأنه يقع خلط كثير بين القول فيها باعتبارها ألفاظًا ومصطلحات، وباعتبار كونها من عوارض المعاني.
فنقول: تقسيم الدين إلى أصول وفروع، أو القول بمسألة الحقيقة والمجاز، أو القول بمسألة تقسيم السنة إلى آحاد ومتواتر، النظر في هذا باعتباره من عوارض الألفاظ يقال: إن الأصل أنه لا مشاحة في الاصطلاح، ولكن النظر يكون باعتبارها من عوارض المعاني؛ فمن قسم الدين إلى أصول وفروع، قيل له: هذا مصطلح أمره يسير، أما من جهة المعاني، فإن ثمة إجماعًا بين المسلمين أن الدين ليس درجةً واحدة، بل منه مسائل كلية، ومنه ما دون ذلك، ومنه ما هو ركن، ومنه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، وأن ثمة مسائل تسمى أصول الدين، ومثل هذا المعنى متفق عليه بين سائر المسلمين على اختلاف طوائفهم؛ فإن النبي ﷺ -بل وجميع الأنبياء والمرسلين- بيّن هذا الأمر.
وقد تكلم شيخ الإسلام وطائفة في نقض هذا التقسيم، لكن هذا لا يعني أنهم لا يصوبون أن تسمى مسائل توحيد الألوهية والأسماء والصفات وإثبات أن الله فوق سماواته مستوٍ على عرشه بمسائل أصول الدين؛ فإن تسميتها بمسائل أصول الدين مجمع عليه بين المسلمين، ولا ينازع فيه أحد.
وإنما تكلم شيخ الإسلام في نقض هذا التقسيم باعتباره من عوارض المعاني، فإن من استعمله وضع له حدًا -أي معنى- ليس مناسبًا للاعتبار الشرعي، وإن شئت فقل: ليس مناسبًا للحد الشرعي.
وذلك أن أول من اشتغل بهذا التقسيم ليس أئمة السنة والجماعة، بل طوائف من أئمة النظر من المتكلمين ومن اشتغل بشأنهم من الفقهاء ممن كتبوا في أصول الفقه أو في فقه الشريعة، فصاروا يقولون: إن الأصول هي المسائل المعلومة بالسمع والعقل، ويقصدون بالسمع الكتاب والسنة، والفروع هي المسائل التي دليلها السمع وحده.
ومن الحدود المشهورة في كتبهم -أيضًا- أنهم يقولون: إن مسائل الأصول هي المسائل العلمية، ومسائل الفروع هي المسائل العملية
إلى غير ذلك من الحدود.
فهذه الحدود لا شك أنها حدود باطلة؛ فإنه لا يصح أن يقال: إن مسائل الأصول هي ما دل عليه السمع والعقل، والفروع هي ما دل عليه السمع وحده، فإن ثمة مسائل في أصول الدين لم تعلم إلا بالسمع وحده، والعقل لا يحيلها، ولكنه لا يدل عليها كمسائل الغيب المحضة، فإنها مسائل علمت بالسمع، والعقل لا يدل عليها، فإن النبي ﵊ لو لم يحدث بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، لم نعلم ذلك؛ لأن هذه المسألة لا يدركها العقل ولا يعلمها قبل ورود خطاب الشرع.
إذًا: ثمة مسائل في أصول الدين في باب الأسماء والصفات والشفاعة والغيب واليوم الآخر والقدر وما إلى ذلك ليست معلومةً إلا بالسمع، والعقل لا يدل عليها، وإن كان لا يجحدها.
والعكس كذلك؛ فإن ثمة مسائل معلومة بالسمع والعقل وهي لا تعد من مسائل الأصول، بل تعد من مسائل الفروع أو مما هو دون الأصول.
أما قول من قال: إن مسائل الأصول هي المسائل العلمية -وهذا يوافق التعبير الذي يقول: هي مسائل الاعتقاد- وأن المسائل العملية لا تكون داخلةً في مسائل أصول الدين ..
فهذا غلط أيضًا؛ لأنه لا يطرد، فإن ثمة مسائل علمية -أي: مسائل محلها عقد القلب- ومع ذلك ليست من الأصول بإجماع السنة والجماعة، بل بإجماع المسلمين أنها ليست من مسائل أصول دينهم، ومن ذلك مثلًا: الاختلاف الذي وقع بين الصحابة في سماع الميت لصوت الحي، فإن هذه مسألة علمية محلها عقد القلب، ولكن بالإجماع لا تعد من مسائل أصول الدين.
وثمة مسائل عملية تعد بإجماع المسلمين من مسائل أصول الدين كمسألة الصلاة والزكاة والحج، فإنها أركان في الدين وأركان في الإسلام.
فهل يصح أن يقال: إن الدين ينقسم إلى أصول وفروع؟
الجواب: التقسيم باعتباره اصطلاحًا لفظيًا لا بأس به، لكن بشرط أن ينزل على معنىً مناسب، وحين يقال: لا بأس به ..
فهذا من باب الجواز، وليس من باب أن هذا التقسيم يقصد إلى تقريره وذكره في مسائل أصول الدين أو في تقرير طريقة أهل السنة والجماعة أو منهجهم، لكنه أمر واسع لا ينبغي الإغلاظ في شأنه.
وأما أن هذا التقسيم بدعة، فنقول: إنه لا يكون بدعة إلا إذا قصد منه معنىً لا يكون مناسبًا؛ وإلا فهو من حيث الجملة لا بأس بإطلاقه، وإن كان لا يقصد إليه، فإن السلف لم يقصدوا إلى ذكره والتحدث بلغته.
1 / 5