بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي رفع بفضله طَبَقَات الْعلمَاء وَجعل اصولهم ثَابِتَة وفروعهم فِي السَّمَاء وزين سَمَاء الشَّرِيعَة والاسلام بأنوار افكار الْفُضَلَاء وَأحكم مباني الاحكام بقواعد وَضعهَا بِاجْتِهَاد الْفُقَهَاء وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه سيد الرُّسُل وَخَاتم الانبياء من بَعثه الله تَعَالَى على فَتْرَة من الرُّسُل ليقيم بِهِ الْملَّة العوجاء وَهُوَ صَاحب الْملَّة الحنيفية السمحة اليضاء وَصَاحب ذيل الْعِزّ والشرف على الْقبَّة الخضراء وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين هم نُجُوم الاهتداء وعَلى من تَبِعَهُمْ من الْمُسلمين الى يَوْم الْبَعْث وَالْجَزَاء وَبعد فَإِنِّي مُنْذُ مَا عرفت الْيَمين من الشمَال والمستقيم من الْمحَال كنت مشغوفا بتتبع مَنَاقِب الْعلمَاء وأخبارهم ومتهالكا على حفظ مآثرهم وآثارهم حَتَّى اجْتمع من ذَلِك شَيْء كثير فِي الخاطر الفاتر بِحَيْثُ يمتلئ بِهِ بطُون الْكتب والدفاتر وَلَقَد دون المؤرخون مَنَاقِب الْعلمَاء والاعيان مِمَّا ثَبت بِالنَّقْلِ اَوْ اثبته العيان وَلم يلْتَفت اُحْدُ الى جمع اخبار عُلَمَاء هَذِه الْبِلَاد وَكَاد لَا يبْقى اسمهم ورسمهم على السن كل حَاضر وباد وَلما شَاهد هَذِه الْحَال بعض من أَرْبَاب الْفضل والكمال التمس مني ان اجْمَعْ مَنَاقِب عُلَمَاء الرّوم فأجبت الى ملتمسه مستعينا بِالْملكِ الْحَيّ القيوم وأردفت ذكر عُلَمَاء الشَّرِيعَة بِبَيَان احوال مَشَايِخ الطَّرِيقَة زَاد الله أنوارهم وَقدس اسرارهم وَلَقَد ذكرت فِي هَذَا الْكتاب من بلغ مِنْهُم الى المناصب الجليلة وان كَانُوا متفاوتين فِي الْعلم والفضيلة وَمن لم يبلغ الى تِلْكَ
1 / 5
المناصب مَعَ مَالهم من الِاسْتِحْقَاق لتِلْك الْمَرَاتِب وَمَعَ ذَلِك فَلَعَلَّ مَا تركت اكثر مِمَّا ذكرت وَلما لم اطلع على تَارِيخ وفيات هَؤُلَاءِ الاعيان وضعت الرسَالَة على تَرْتِيب سلاطين آل عُثْمَان وَلِهَذَا سميت الرسَالَة ب
الشقائق النعمانية فِي عُلَمَاء الدولة العثمانية
وَقد وَقع هَذَا الْجمع والتأليف فِي ظلّ دولة من خصّه الله تَعَالَى بالألطاف السبحانية من سلاطين الدولة الْقَاهِرَة العثمانية الَّذِي تضعضع بسطوته مباني الاكاسرة وتطأطأ دون سرادقات عَظمته سوامد القياصرة وفوضت اليه السَّعَادَة مقاليدها وأنجزت بِهِ الايام للانام مواعيدها خُلَاصَة أَرْبَاب الْخلَافَة فِي الْعَالمين شرف الاسلام ملاذ الْمُسلمين اخص الخواقين الْعِظَام وقطب السلاطين الْكِرَام مُطَاع الْمُلُوك والسلاطين مُطِيع احكام الشَّرِيعَة وَالدّين السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان والخاقان ابْن الخاقان ابو الْفَتْح والنصر السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان ابْن السُّلْطَان سليم خَان ادام الله أَيَّام سلطنته الزهراء الى آخر الزَّمَان وخلد اعوام دولته الغراء الى انْقِرَاض الدوران وَلَا زَالَت دولته الابدية محفوفة بالعواطف الرحمانية وَمَا بَرحت غرته السرمدية مقرونة باللطائف الربانية وَهَا أَنا اشرع فِي الْمَقْصُود متوكلا على الصَّمد المعبود وَمَا توفيقي الا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت واليه انيب وَهُوَ السَّمِيع الْقَرِيب
الطَّبَقَة الاولى
فِي عُلَمَاء دولة السُّلْطَان عُثْمَان الْغَازِي روح الله تَعَالَى روحه الْعَزِيز بُويِعَ لَهُ بالسلطنة فِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَمن الْعلمَاء فِي زَمَانه الْمولى اده بالي ولد بالبلاد القرامانية وَقَرَأَ هُنَاكَ بَعْضًا من الْعُلُوم ثمَّ ارتحل الى الْبِلَاد الشامية وتفقه بهَا على مَشَايِخ الشَّام وَقَرَأَ التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول عَلَيْهِم ثمَّ ارتحل الى بِلَاده واتصل بِخِدْمَة السُّلْطَان عُثْمَان الْغَازِي ونال عِنْده الْقبُول التَّام وَكَانُوا يرجعُونَ اليه بالمسائل الشَّرْعِيَّة ويتشاورون مَعَه فِي أُمُور السلطنة وَكَانَ عَالما عَاملا عابدا زاهدا يرْوى انه كَانَ مَقْبُول الدعْوَة وَكَانُوا يتبركون بأنفاسه الشَّرِيفَة وَكَانَ ﵀ ذَا ثروة عَظِيمَة الا انه سلك مَسْلَك الصُّوفِيَّة وَبنى فِي الدولة
1 / 6
العثمانية زَاوِيَة ينزل فِيهَا المسافرون وَرُبمَا يبيت فِيهَا السُّلْطَان عُثْمَان الْغَازِي وَبَات لَيْلَة فِيهَا فَرَأى فِي الْمَنَام قمرا خرج من حضن الشَّيْخ اده بالي وَدخل فِي حضنه وَعند ذَلِك نَبتَت من سرته شَجَرَة عَظِيمَة سدت أَغْصَانهَا الافاق وتحتها جبال عَظِيمَة تتفجر مِنْهَا الانهار وَالنَّاس يَنْتَفِعُونَ بِتِلْكَ الانهار لأَنْفُسِهِمْ ودوابهم وبساتينهم فَقص هَذِه الرُّؤْيَا على الشَّيْخ فَقَالَ لَك الْبُشْرَى بهَا نلْت مرتبَة السلطنة وَينْتَفع بك وبأولادك الْمُسلمُونَ وَإِنِّي زوجت لَك بِنْتي هَذِه فولد لعُثْمَان الْغَازِي مِنْهَا اولاد وَكَانَ الشَّيْخ بلغ من السن مائَة وَعشْرين سنة وَمَات فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَمَاتَتْ بعد شهر ابْنَته ويه زَوْجَة السُّلْطَان عُثْمَان الْغَازِي وَأم السُّلْطَان اورخان وَبعد مُضِيّ ثَلَاثَة اشهر من وفاتها مَاتَ السُّلْطَان عُثْمَان الْغَازِي روح الله أَرْوَاحهم
وَمِنْهُم الْمولى طورسون فَقِيه ختن الْمولى اده بالي
وَهُوَ ايضا من بِلَاد قرامان قَرَأَ على الْمولى الْمَذْكُور التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول وتفقه عِنْده وَبعد وَفَاته قَامَ مقَامه فِي أَمر الْفَتْوَى وتدبير امور السلطنة وتدريس الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَكَانَ عَالما عَاملا مجاب الدعْوَة
وَمِنْهُم الْمولى خطاب بن ابي الْقَاسِم القره حصاري ﵀
قَرَأَ ببلاده على عُلَمَاء عصره ثمَّ ارتحل الى الْبِلَاد الشامية وقرا على علمائها وَأخذ مِنْهُم الْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير ثمَّ عَاد الى بِلَاده وَتُوفِّي بهَا ﵀ وَله شرح نَافِع على منظومة الشَّيْخ الْعَالم عمر النَّسَفِيّ فِي الخلافيات فرغ من تصنيفه فِي صفر سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه مخلص بَابا
توطن فِي بِلَاد قرامان وَحضر مَعَ السُّلْطَان عُثْمَان الْغَازِي فِي فتوحاته وَكَانَ ﵀ مجاب الدعْوَة سالكا واصلا الى الله تَعَالَى وَكَانَ صَاحب كرامات علية ومقامات سنية قدس الله تَعَالَى سره الْعَزِيز
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عاشق باشا ابْن الشَّيْخ مخلص بَابا الْمَذْكُور
توطن ﵀ فِي مَوضِع يُقَال لَهُ قر شَهْري من بِلَاد قرامان وَتُوفِّي بهَا
1 / 7
وقبره مَشْهُور هُنَاكَ تستجاب عِنْده الدَّعْوَات وَالنَّاس يتبركون بِهِ كَانَ قدس سره عابدا زاهدا عَارِفًا بِاللَّه وَصِفَاته وعالما بأطوار السلوك ومقامات السالكين وَله كتاب منظوم بالتركية مُشْتَمل على أَحْوَال السلوك واطواره
وَمِنْهُم الشَّيْخ علوان جلبي ابْن الشَّيْخ عاشق باشا الْمَذْكُور
توطن ﵀ فِي مَوضِع قريب من بَلْدَة اماسيه وَمَات هُنَاكَ وَدفن فِيهِ وَقد زرت مرقده الْمُقَدّس فِي عنفوان الشَّبَاب وتبركت بِهِ كَانَ ﵀ عابدا زاهدا عَارِفًا بِاللَّه تَعَالَى وَكَانَ صَاحب جذبة عَظِيمَة وَله نظم ايضا فِي أطوار السلوك
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه الشَّيْخ حسن
كَانَ عابدا زاهدا مجاب الدعْوَة ومظهر الكرامات ومعدن البركات وَكَانَ لَهُ زَاوِيَة قريبَة من دَار السَّعَادَة ببلدة بروسه وَكَانَ يلقب بأخي حسن قدس تَعَالَى سره الْعَزِيز
الطَّبَقَة الثَّانِيَة
فِي عُلَمَاء دولة السُّلْطَان اورخان بن عُثْمَان الْغَازِي طيب الله ثراه
بُويِعَ لَهُ بالسلطنة بعد وَفَاة ابيه سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَمن الْعلمَاء فِي زَمَانه
الْعَالم الْعَامِل والفاضل الْكَامِل الْمولى دَاوُد القيصري القراماني
اشْتغل فِي بِلَاده ثمَّ ارتحل الى مصر وقرا على علمائه التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول وبرع فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَحصل علم التصوف وَشرح فصوص ابْن الْعَرَبِيّ وَوضع لشرحه مُقَدّمَة بَين فِيهَا اصول علم التصوف وَيفهم من كَلَامه فِي تِلْكَ الْمُقدمَة مهارته فِي الْعُلُوم النقلية ايضا وَبنى السُّلْطَان اورخان مدرسة فِي بَلْدَة ازنيق وَهِي على مَا سمعته من الثِّقَات اول مدرسة بنيت فِي الدولة العثمانية وَعين تدريسها للشَّيْخ دَاوُد القيصري فدرس هُنَاكَ وَأفَاد وصنف وأجاد وَكَانَ عابدا زاهدا متورعا صَاحب اخلاق حميدة روح الله روحه
1 / 8
وَمِنْهُم الْمولى الْفَاضِل تَاج الدّين الكردري
قَرَأَ ﵀ على عُلَمَاء عصره مِنْهُم الْعَالم الْفَاضِل سراج الدّين الارموي صَاحب الْمطَالع وَبَيَان الْحِكْمَة وَحصل من الْعُلُوم شَيْئا كثيرا وبرع فِي جَمِيعهَا وتمهر فِي الْفِقْه واشتهرت فضائله فِي الافاق وَلما مَاتَ دَاوُد القيصري مدرسا بمدرسة ازنيق نَصبه السُّلْطَان اورخان مقَامه ودرس هُنَاكَ مُدَّة وَأفَاد طلبة زَمَانه وَكَانَ زوج احدى ابْنَتَيْهِ للشَّيْخ اده بالي الْمَذْكُور وَزوج ابْنَته الاخرى للْمولى خير الدّين القَاضِي ثمَّ صَار هُوَ وزيرا ولقب بِخَير الدّين باشا رُوِيَ عَن بعض الثِّقَات ان السُّلْطَان اورخان الْغَازِي لما حاصر بَلْدَة ازنيق ظهر عَسْكَر الْكفَّار من بعض الجوانب يقصدون السُّلْطَان الْمَذْكُور فتحير السُّلْطَان وشاور مَعَ الْأَمِير شاهين لَا لَا من عبيد السُّلْطَان الْمَذْكُور فَأَشَارَ اليه ان لَا يُؤَخر امْر الْحصار وَقَالَ ان وهبت لي الْغَنِيمَة الْحَاصِلَة من هَؤُلَاءِ الْكفَّار ذهبت اليهم فَقبله السُّلْطَان فَهزمَ الامير الْمَذْكُور عَسْكَر الْكفَّار وَحصل لَهُ مِنْهُم غنيمَة عَظِيمَة فندم السُّلْطَان على مَا فعله فاستفتى من الْمولى الْمَذْكُور وَحكى لَهُ مَا جرى بَينه وَبَين الامير شاهين من هبة الْغَنِيمَة الْمَذْكُورَة لَهُ فقالى الْمولى ان هَذَا عبد اَوْ مُعتق قَالَ السُّلْطَان انه مُعتق فَقَالَ الْمولى ان الْغَنِيمَة لَهُ وَلَا يجوز اخذها مِنْهُ وَبنى ذَلِك الامير بذلك المَال مدرسة بِمَدِينَة بروسا وجسرا ببلدة كرماستي وزاوية
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَامِل الْفَاضِل الْكَامِل الْمولى عَلَاء الدّين الاسود
شَارِح الْمُغنِي فِي الاصول وشارح الْوِقَايَة اشْتهر عِنْد اهل الرّوم بقره خواجه وارتحل الى بِلَاد الْعَجم وَقَرَأَ على علمائها ثمَّ اتى بِلَاد الرّوم واعطاه السُّلْطَان اورخان مدرسة ازنيق بعد وَفَاة تَاج الدّين الكردري وصنف وَقت تدريسه بِتِلْكَ الْمدرسَة شرح الْوِقَايَة وَهُوَ كتاب حافل كافل لحل مشكلات الْوِقَايَة رَأَيْته فِي مجلدين فطالعته وانتفعت بِهِ شكر الله سَعْيه وَسمعت من بعض الثِّقَات ان الْمولى شمس الدّين الفناري قَرَأَ عَلَيْهِ لَكِن وَقع بَينهمَا مُخَالفَة ومنافرة وَلِهَذَا تَركه وَذهب الى خدمَة الْمولى جمال الدّين الاقسرائي روح الله أروحهم
1 / 9
وَمِنْهُم الْمولى الْعَالم الْفَاضِل مَوْلَانَا خَلِيل الجندري
المشتهر بَين النَّاس بجندر لوقره خَلِيل كَانَ ﵀ من طلبة الْمولى عَلَاء الدّين الاسود وَكَانَ هُوَ أول قَاض من قُضَاة الْعَسْكَر وقصته ان السُّلْطَان اورخان ذهب يَوْمًا الى بَيت الْمولى عَلَاء الدّين الاسود لاجل زيارته وَلما دخل دَاره وجد الْمولى الْمَذْكُور يُصَلِّي فِي منزله فتوقف سَاعَة وَقَالَ لبَعض الطّلبَة الْحَاضِرين هُنَاكَ اريد ان اصلي ايضا فَتقدم مَوْلَانَا خَلِيل الْمَذْكُور وَصلى هُوَ والحاضرون خَلفه وَلما خرج الْمولى عَلَاء الدّين من بَيته قَالَ لَهُ السُّلْطَان الرعايا يتحاكمون الي وَأَنا على السّفر وَلَا علم لي بالاحكام الشَّرْعِيَّة فعين لي وَاحِدًا من طلبتك ليسافر معي وَيحكم بَين النَّاس عِنْد الْحَاجة فَقَالَ الْمولى خُذ مَعَك وَاحِدًا من الْحَاضِرين فتضرع الْكل اليه ليرد عَنْهُم هَذِه الْمصلحَة فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان عين وَاحِدًا مِنْهُم آخذه جبرا فعين مَوْلَانَا خَلِيلًا الْمَذْكُور فَذهب وَهُوَ يبكي وَمن نَسْله خَلِيل باشا وَزِير السُّلْطَان مرادخان وَالسُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَفِي رِوَايَة اخرى ان الْمولى الْمَذْكُور كَانَ قَاضِيا فِي أَوَاخِر سلطنة السُّلْطَان عُثْمَان الْغَازِي ببلدة بلاجوك وَلما فتح السُّلْطَان اورخان بَلْدَة ازنيق نَصبه قَاضِيا بهَا ثمَّ جعله قَاضِيا بِمَدِينَة بروسه وَلما جلس السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي على سَرِير السلطنة جعله قَاضِيا بالعسكر ثمَّ جعله وزيرا وأمير الامراء ولقب نجم الدّين باشا وَالله اعْلَم بِحَقِيقَة الْحَال وَكَانَ رجلا عَاقِلا مُدبرا لامور السلطنة وَكَانَ من اقرباء الشَّيْخ اده بالي الْمَذْكُور
وَمِنْهُم الْعَالم الْفَاضِل الْمولى محسن القيصري
قَرَأَ الْعُلُوم على الْمولى مجدالدين القيصري واطلع على فنون كَثِيرَة من أَقسَام الْفُنُون الادبية وانواع الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة ثمَّ ارتحل الى الْبِلَاد الشامية وقرا على علمائها التَّفْسِير والْحَدِيث ثمَّ عَاد الى بِلَاده وَتُوفِّي بهَا ونظم تَرْجَمَة كتاب فِي الْفِقْه وأجاد فِيهِ كل الاجادة ونظم ايضا علم الْفَرَائِض نظما حسنا بليغا جَامعا للمسائل ثمَّ شَرحه شرحا بَين فِيهِ دقائقه واسراره وَله شرح على مُخْتَصر الشَّيْخ الاندلسي فِي علم الْعرُوض احسن فِي ترتيبه وَضَمنَهُ فَوَائِد كَثِيرَة
1 / 10
وَمن مَشَايِخ زَمَانه الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه الشَّيْخ الْمَعْرُوف بِالنِّسْبَةِ الى الغزال
وَهُوَ الْمَشْهُور فِي لسانهم بكيكلوبابا وَلم يشْتَهر اسْمه وانما نسب الى الغزال لانه كَانَ يركب الغزال وَكَانَ الغزال مسخرا لَهُ ومولده ببلدة خوي من بلادالعجم ثمَّ ارتحل الى بلادالروم وَحضر فتح بروسا مَعَ السُّلْطَان اورخان رَاكِبًا الغزال وتوطن قَرِيبا من مَدِينَة بروسا وَمَات هُنَاكَ وَدفن بذلك الْموضع وَبنى السُّلْطَان اورخان على قَبره قبَّة وقبره مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ كَانَ قدس سره صَاحب جذبة عَظِيمَة وكرامات سنية متجردا عَن العلائق الدُّنْيَوِيَّة مُنْقَطِعًا الى الحضرة الالهية وَلَقَد زرت مرقده الشريف وَحصل لي عِنْد زيارته انس عَظِيم وَرَأَيْت عِنْده قبر آخر وَسَأَلت حَافظ قُبَّته عَن صَاحب هَذَا الْقَبْر قَالَ لقد سَمِعت انه من اولاد الامير كرميان وَلَقَد ترك الامارة واتصل بِخِدْمَة الشَّيْخ ونال عِنْده الْمَرَاتِب السّنيَّة وَكَانَ من جملَة احباء الشَّيْخ الْمَذْكُور رجل مُسَمّى بطور غوداب من أُمَرَاء السُّلْطَان الْغَازِي وَلما اسن الامير الْمَذْكُور وَضعف عَن الْحَرَكَة توطن فِي مَوضِع قريب من مقَام الشَّيْخ كيكلو بَابا وَذَلِكَ الْمَكَان مُسَمّى الان بطورغودابلي وَكَانَ الامير الْمَذْكُور مداوما لخدمة الشَّيْخ الْمَذْكُور الى ان مَاتَ وَقد أحب السُّلْطَان اورخان الشَّيْخ الْمَزْبُور واعطى لَهُ موضعا قَرِيبا من مقَامه يُقَال لَهُ اينه كول مَعَ مَا حوله من الْقرى وَلم يقبلهَا الشَّيْخ وَقَالَ الْملك وَالْمَال يَنْبَغِي لِلْأُمَرَاءِ والسلاطين وَلَا يحْتَاج اليه الْفُقَرَاء وَلما أبرم عَلَيْهِ السُّلْطَان قَالَ عين لي من مقَامي هَذَا الى هَذَا التل للْفُقَرَاء لاجل الاحتطاب وَسُئِلَ الشَّيْخ الْمَزْبُور عَن شَيْخه فَقَالَ انا من جملَة مريدي بَابا الياس وَمن طَريقَة الشَّيْخ ابي الْوَفَاء الْبَغْدَادِيّ قدس سره وَرُوِيَ ان السُّلْطَان اورخان سَأَلَ مِنْهُ الدُّعَاء لنَفسِهِ فَقَالَ الشَّيْخ اني لَا أغفل عَنْك وَإِذا وَقعت حَاجَة ادعو لَك وَبعد مُدَّة قلع الشَّيْخ شَجَرَة غَرِيبَة وَحملهَا الى مَدِينَة بروسا وَدخل دَار السلطنة بذلك وغرسها فِي دَاخل الْبَاب قَرِيبا من اُحْدُ جانبيه ثمَّ ذهب فَأخْبر السُّلْطَان بذلك ففرح فَرحا شَدِيدا ثمَّ ربى تِلْكَ الشَّجَرَة فعظمت وَهِي بَاقِيَة الى الان
1 / 11
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه قره جه احْمَد
كَانَ ﵀ من بلادالعجم من أَبنَاء بعض الْمُلُوك وَلما حصلت لَهُ الجذبة ترك بِلَاده وأتى بلادالروم وتوطن فِي مَوضِع قريب من اقحصار وقبره هُنَاكَ مَشْهُور يتبرك بِهِ ويزار ويستجاب عِنْده الدُّعَاء ويستشفي بِهِ الْمَرِيض وَذَلِكَ مَشْهُور فِي بِلَادنَا عندالخواص والعوام قدس الله سره الْعَزِيز
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه أخي اوران
كَانَ ﵀ صَاحب دعوات مستجابة وأنفاس مستطابة وَظَهَرت مِنْهُ كرامات سنية قدس الله سره الْعَزِيز
وَمِنْهُم الشَّيْخ المجذوب مُوسَى ابدال
حضر مَعَ السُّلْطَان اورخان فتح بروسا وقبره مَشْهُور هُنَاكَ وَمن كراماته انه اخذ جَمْرَة ولفها فِي قطنه وأرسلها مَعَ وَاحِد من أحبائه الى الشَّيْخ الْمَزْبُور كيكلوبابا وَلما رَآهَا الشَّيْخ ارسل مَعَه قَصْعَة فِيهَا لبن فَلَمَّا أَتَى بِهِ الى الشَّيْخ مُوسَى تعجب من ذَلِك وَقَالَ الرجل الْمَذْكُور اللَّبن كثير فَأَي فَائِدَة فِي ارساله فَقَالَ الشَّيْخ مُوسَى انه غلب عَليّ لانه لبن الغزال وتسخير الْحَيَوَان اصعب من تسخير النَّبَات
وَمِنْهُم الشَّيْخ المجذوب ابدال مُرَاد
حضر مَعَ السُّلْطَان اورخان فتح بروسا وقبره مَشْهُور هُنَاكَ فِي مَوضِع عَال
وَمِنْهُم الشَّيْخ المجذوب الْمَشْهُور بَدو غلوبابا
حضر مَعَ السُّلْطَان اورخان فتح بروسا وَكَانَ يهيء للغزاة لَبَنًا ممزوجا بِالْمَاءِ ويقسمه عَلَيْهِم وَقت عطشهم ودوغ عبارَة عَن ذَلِك فِي لسانهم وَله مَوضِع مَنْسُوب اليه على جبل قريب من مَدِينَة بروسا عَلَيْهِ الرَّحْمَة والرضوان
الطَّبَقَة الثَّالِثَة
فِي عُلَمَاء دولة السُّلْطَان مُرَاد بن اورخان الْغَازِي الْمَشْهُور عِنْد النَّاس بغازي خداوند كار روح الله روحه وَنور ضريحه بُويِعَ لَهُ بالسلطنة بعد وَفَاة ابيه فِي سنة احدى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَمن الْعلمَاء فِي زَمَانه الْمولى مَحْمُود القَاضِي بِمَدِينَة بروسا ولد رَحمَه
1 / 12
الله بِموضع يُقَال لَهُ سُلْطَان اوكي وَقَرَأَ على عُلَمَاء زَمَانه الْعُلُوم الْعَرَبيَّة والشرعية وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وبرع فِي كل مِنْهَا ثمَّ استقضاه السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي بِمَدِينَة بروسا وَكَانَ قَاضِيا بهَا مُدَّة كَبِيرَة وَكَانَ رجلا عَالما صَالحا تقيا متورعا مرضِي السِّيرَة فِي قَضَائِهِ وَلِهَذَا كَانَ النَّاس يحبونه محبَّة شَدِيدَة وَكَانَ شَيخا هرما وَلِهَذَا سموهُ بقوجه افندي رُوِيَ انه لما زوج السُّلْطَان مُرَاد بنت ابْن الامير كرميان لِابْنِهِ السُّلْطَان بايزيد خَان ارسل الْمولى الْمَذْكُور مَعَ جمع كثير من الامراء الْكِرَام والخواقين الْعِظَام وَجعل الْمولى الْمَذْكُور رَئِيسا لهَؤُلَاء الْجَمَاعَة وارسله مَعَهم وَكَانَ للْمولى الْمَذْكُور ولد اسْمه مُحَمَّد وَكَانَ عَالما فَاضلا الا انه مَاتَ فِي سنّ الشَّبَاب وأعقب ولدا اسْمه مُوسَى باشا وَهُوَ حصل فِي بِلَاده بَعْضًا من الْعُلُوم وَلما سمع صيت الْعلم فِي بلادالعجم عزم ان يذهب اليها لتَحْصِيل الْعلم لكنه كتم الْعَزْم عَن اقاربه وفطنت لذَلِك اخته فَوضعت بَين كتبه شَيْئا كثيرا من حليها ليستعين فِي ديار الغربة فارتحل الى بِلَاد الْعَجم وَقَرَأَ على مَشَايِخ خُرَاسَان ثمَّ ارتحل الى مَا وَرَاء النَّهر وَقَرَأَ على علمائها ايضا وَحصل هُنَاكَ علوما كَثِيرَة وَبلغ من مَرَاتِب الْفضل اعلاها واشتهرت فضائله وَبعد صيته وَدَار على الالسنة ذكره ولقبوه بقاضي زَاده رومي واتصل بِخِدْمَة ملك سَمَرْقَنْد وَهُوَ الامير الاعظم الغ بك ابْن شاه بن الامير تيمور وَاقْبَلْ الامير الْمَذْكُور عَلَيْهِ اقبالا عَظِيما وقرا عَلَيْهِ بعض الْعُلُوم وَكَانَ الامير الْمَذْكُور محبا للعلوم الرياضية فَقَرَأَ عَلَيْهِ من الْعُلُوم الرياضية كتبا كَثِيرَة واعتنى هُوَ بالرياضة اشد اعتناء حَتَّى برع فِيهَا وفَاق على أقرانه بل على من تقدمه وَشرح اشكال التأسيس فِي الهندسة فِي سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَشرح كتاب الجغمني فِي الْهَيْئَة فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَاعْتذر فِي خطبَته عَن ترك وَطنه وإقامته بسمرقند وَقَالَ ... وَلَا عيب فيهم غير ان ضيوفهم ... تلام بنسيان الاحبة والوطن ...
قَرَأت الشرحين الْمَذْكُورين على الْمولى الْوَالِد روح الله روحه وقرأهما هُوَ على خَاله الْمولى مُحَمَّد النكساري ﵀ وقرأهما هُوَ على مَوْلَانَا فتح الله الشيرواني وقرأهما هُوَ على الْمولى الشَّارِح ﵀ يروي انه قَرَأَ على السَّيِّد
1 / 13
الشريف وَلم تحصل الْمُوَافقَة بَينهمَا فَترك درسه وَقَالَ السَّيِّد الشريف فِي حَقه غلب على طبعه الرياضيات وَقَالَ هُوَ فِي حق السَّيِّد الشريف هولا يقدر على الافادة لي فِي الْعُلُوم الرياضية ثمَّ إِنَّه طالع شرح المواقف للسيدالشريف ورد كثيرا من موَاضعه لكنه لم يكْتب بل أَشَارَ فِي حَاشِيَة الْكتاب الى تِلْكَ الْمَوَاضِع بِحَلقَة رسمها بالقلم وَالْعُلَمَاء فِي بِلَاد الْعَجم يمْتَحنُونَ الطلاب بِالْوُقُوفِ على مَا قَصده من الرَّد ويحكى انه كَانَ فِي بَلْدَة سَمَرْقَنْد مدرسة مربعة لَهَا حجرات كَثِيرَة وَوَضَعُوا فِي كل ضلع مِنْهَا مَوضِع درس وعينوا لكل مَوضِع مِنْهَا مدرسا رئيسيهم الْمولى الْمَذْكُور وَكَانَ من عَادَتهم ان المدرسين مَعَ طلبتهم يَجْتَمعُونَ عِنْد الْمولى الْمَذْكُور فيقرؤن عَلَيْهِ الدَّرْس ثمَّ يذهب الْمولى الْمَذْكُور الى منزله فيدرس كل مدرس فِي مَوضِع عين لَهُ وَكَانَ يحضر الامير الغ بك فِي بعض الاحيان درس الْمولى الْمَذْكُور وَاتفقَ ان عزل الامير الْمَذْكُور وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ المدرسين فَترك الْمولى الْمَذْكُور اياما فَظن الغ بك انه وَقعت لَهُ عارضة مزاجية فَذهب الى بَيته لعيادته فَإِذا هُوَ صَحِيح فَسَأَلَهُ عَن سَبَب تَركه الدَّرْس مُنْذُ أَيَّام فَقَالَ اني خدمت بَعْضًا من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة فأوصاني ان لَا اتولى المناصب الدُّنْيَوِيَّة الا منصبا لَا يعْزل صَاحبه عَنهُ عَادَة فَكنت ظَنَنْت الان ان التدريس كَذَلِك فَلَمَّا علمت انه يعْزل صَاحبه عَنهُ تركته فَاعْتَذر الامير الغ بك عَن فعله وتضرع اليه فِي قبُول التدريس وَأعَاد الْمدرس الَّذِي عَزله الى مقَامه وَحلف ان لَا يعْزل بعد ذَلِك مدرسا اصلا فَقبل الْمولى الْمَذْكُور التدريس ثمَّ ان الامير الغ بك قصد رصد الْكَوَاكِب لما رأى من الخللل فِي ارصاد الْمُتَقَدِّمين فرتب مَكَان الرصد بسمرقند فتولاه اولا غياث الدّين جمشيد فَلم يلبث الا قَلِيلا حَتَّى مَاتَ ثمَّ تولاه قَاضِي زَاده الرُّومِي فتوفاه الله تَعَالَى قبل اتمامه وأكمله الْمولى عَليّ بن مُحَمَّد القوسجي وستجيء تَرْجَمته تغمدهم الله تَعَالَى بغفرانه
وَمِنْهُم الْمولى الاعظم الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد الاقسرائي قدس الله سره الْعَزِيز
كَانَ عَالما فَاضلا كَامِلا تقيا نقيا عَارِفًا بالعلوم الْعَرَبيَّة والشرعية والعقلية وَقد
1 / 14
درس فَأفَاد وصنف فأجاد وانتفع بِهِ كثير من الْفُضَلَاء وَتخرج عِنْده جمع من الْعلمَاء كتب حَوَاشِي على الْكَشَّاف وصنف شرح الايضاح فِي الْمعَانِي وَشرح الانموذج فِي الطِّبّ رُوِيَ ان الْمولى الْمَذْكُور من نسل الامام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَهُوَ رَابِع مرتبَة مِنْهُم لانه هُوَ الْمولى جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن الامام فَخر الدّين مُحَمَّد الرَّازِيّ روح الله أَرْوَاحهم وَكَانَ ﵀ مدرسا فِي بِلَاد قرامان بمدرسة مَشْهُورَة بمدرسة السلسلة وَقد شَرط بانيها ان لَا يدرس فِيهَا الا من حفظ الصِّحَاح للجوهري فَتعين لذَلِك الْمولى جمال الدّين الْمَذْكُور فِي زَمَانه وَكَانَ طلبته ثَلَاث طَبَقَات الادنى مِنْهُم من يستفيدون مِنْهُ فِي ركابه عِنْد ذَهَابه الى الدَّرْس وَسَمَّاهُمْ بالمشائية والاوسطين مِنْهُم من يسكنون فِي رواق الْمدرسَة وَسَمَّاهُمْ الرواقيين على عَادَة الْحُكَمَاء الاقدمين والاعلى مِنْهُم من يسكنون فِي دَاخل الْمدرسَة وَكَانَ يدرس اولا للمشائين فِي ركابه ثمَّ ينزل عَن فرسه ويدرس للساكنين فِي الرواق ثمَّ يدْخل الْمدرسَة ويدرس للساكنين فِي داخلها وَكَانَ الْمولى الفناري سَاكِنا فِي رواق الْمدرسَة لحداثة سنه فِي ذَلِك الْوَقْت رُوِيَ انه لما بلغ السَّيِّد الشريف صيت الْمولى جمال الدّين الْمَذْكُور ارتحل الى بلادالروم ليقْرَأ عَلَيْهِ فَلَمَّا قرب مِنْهُ رأى شَرحه للايضاح فَلم يُعجبهُ حَتَّى رُوِيَ انه قَالَ فِي حَقه انه كالذباب على لحم الْبَقر وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لَان الايضاح كتاب مَبْسُوط لَا يحْتَاج الى الشَّرْح الا فِي بعض الْمَوَاضِع وَالْمولى الْمَذْكُور كتب فِي شَرحه الْمَتْن بِتَمَامِهِ وَضرب عَلَيْهِ بالمداد الاحمر فَبَقيَ الشَّرْح فِيمَا بَينه كالذباب على لحم الْبَقر وَلما قَالَ السَّيِّد الشريف هَذَا الْكَلَام فِي حَقه قَالَ لَهُ بعض الطالبين ان تَقْرِيره احسن من تحريره فقصده السَّيِّد الشريف فَأتى بِلَاد قرامان فصادف دُخُوله الى الْبَلَد موت الْمولى المرحوم جمال الدّين وَلَقي السَّيِّد الشريف هُنَاكَ الْمولى الفناري وَذهب مَعَه الى مَدِينَة مصر فَقَرَأَ ثمت على الشَّيْخ أكمل الدّين روح الله أَرْوَاحهم
وَمِنْهُم الْعَالم الْفَاضِل الْمولى برهَان الدّين احْمَد قَاضِي ارزنجان
كَانَ ﵀ عَالما فَاضلا ورعا تقيا نقيا وَكَانَ أَمِيرا على ارزنجان حِين فَتْرَة من الامراء صنف حَاشِيَة على التَّلْوِيح وسماها التَّرْجِيح وَهِي مَشْهُورَة بَين الْعلمَاء ومقبولة عِنْدهم قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين بن حجر فِي الدُّرَر الكامنة فِي تَرْجَمته
1 / 15
تفقه قَلِيلا واشتغل بحلب ثمَّ رَجَعَ الى بَلَده وصادق اميره ثمَّ اتّفق انه وَقع بَينهمَا تنفر فَعمل عَلَيْهِ وَقتل وتسلط مَكَانَهُ وَكَانَ عَارِفًا فَاضلا ذَا هَيْئَة لَهُ نظم وشجاعة وَقد نازله عَسْكَر مصر فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَثمّ لما كَانَت سنة تسع وَتِسْعين قابله التتار الَّذين بأرزنجان فاستنجد الظَّاهِر برقوق فَأرْسل اليه جَرِيدَة فَهزمَ التتار ثمَّ وَقع بَينه وَبَين قرا ايلوك بن طور عَليّ فَقتل برهَان الدّين فِي المعركة وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر سنة ثَمَانمِائَة اتهى كَلَامه
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الْحَاج بكتاش
كَانَ ﵀ من جملَة اصحاب الكرامات وأرباب الولايات وقبره بِبِلَاد تركمان وعَلى قَبره قبَّة وَعِنْده زَاوِيَة يزار ويتبرك بِهِ وتستجاب عِنْده الدَّعْوَات وَقد انتسب اليه فِي زَمَاننَا هَذَا بعض من الْمَلَاحِدَة نِسْبَة كَاذِبَة وَهُوَ بَرِيء مِنْهُم بِلَا شكّ قدس الله تَعَالَى سره الْعَزِيز
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه الشَّيْخ مُحَمَّد الكشتري
أَتَى من بلادالعجم الى الرّوم وتوطن فِي مَدِينَة بروسا فِي مَوضِع يعرف بالانتساب اليه الان وَكَانَ صَاحب جذبة عَظِيمَة وكرامات سنية وَكَانَ مجاب الدعْوَة قدس سره
وَمِنْهُم الشَّيْخ المجذوب الْمَعْرُوف ببوستين بوش
أَتَى من بِلَاد الْعَجم الى بِلَاد الرّوم وتوطن بِمَدِينَة بروسا وَكَانَ صَاحب جذبة وكرامات سنية وأحوال عَظِيمَة وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَبنى لَهُ السُّلْطَان مرادخان الْغَازِي زَاوِيَة فِي قَصَبَة بكي شهر وقبره بهَا يزار ويتبرك بِهِ قدس الله تَعَالَى سره الْعَزِيز
الطَّبَقَة الرَّابِعَة
فِي عُلَمَاء دولة السُّلْطَان بايزيد خَان ابْن السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي الملقب بيلدرم بايزيد روح الله روحه وَغفر لَهُ بُويِعَ لَهُ بالسلطنة بعد وَفَاة ابيه فِي رَابِع شهر رَمَضَان الْمُبَارك من شهور سنة احدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَمن الْعلمَاء فِي زَمَانه الْمولى الْعَالم الْعَامِل ابو الْفَضَائِل والكمالات مَوْلَانَا
1 / 16
شمس الدّين مُحَمَّد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد الفناري قدس الله روحه الْعَزِيز
قَالَ السُّيُوطِيّ سَمِعت من شَيخنَا الْعَلامَة محيي الدّين الكافيجي ان نِسْبَة الفناري الى صَنْعَة الفنار قلت سَمِعت من وَالِدي ﵀ يَحْكِي عَن جدي ان نسبته الى قَرْيَة مُسَمَّاة بفنار وَالله أعلم قَالَ السُّيُوطِيّ لَازمه شَيخنَا الْعَلامَة محيي الدّين الكافيجي وَكَانَ يُبَالغ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ جدا وَقَالَ ابْن حجر كَانَ الْمولى الفناري عَارِفًا بالعلوم الْعَرَبيَّة وَعلمِي الْمعَانِي وَالْبَيَان وَعلم القراآت كثير الْمُشَاركَة فِي الْفُنُون ولد ﵀ فِي صفر سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة وَأخذ عَن الْعَلامَة عَلَاء الدّين الاسود شَارِح الْمُغنِي والوقاية وَأخذ ببلاده عَن الْجمال مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الاقسرائي ولازم الِاشْتِغَال ورحل الى مصر لاجل الِاشْتِغَال واخذ عَن الشَّيْخ أكمل الدّين وَغَيره ثمَّ رَجَعَ الى الرّوم فولي قَضَاء بروسا وارتفع قدره عِنْد ابْن عُثْمَان جدا وَحل عِنْده الْمحل الاعلى وَصَارَ فِي معنى الْوَزير واشتهر ذكره وشاع فَضله وَكَانَ حسن السمت كثير الْفضل والافضال وَلما دخل الْقَاهِرَة يُرِيد الْحَج اجْتمع بِهِ فضلاء الْعَصْر وذاكروه وباحثوه وشهدوا لَهُ بالفضيلة ثمَّ رَجَعَ وَكَانَ قد أثرى الى الْغَايَة حَتَّى يُقَال ان عِنْده من النَّقْد خَاصَّة بِمِائَة وَخمسين الف دِينَار وَحج سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين فَلَمَّا رَجَعَ طلبه الْمُؤَيد فَدخل الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بفضلائها ثمَّ رَجَعَ الى الْقُدس فزار ثمَّ رَجَعَ الى بِلَاده ثمَّ حج سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ على طَرِيق انطاكية وَرجع فَمَاتَ ببلاده فِي شهر رَجَب وَكَانَ قد اصابه رمد وأشرف على الْعَمى بل يُقَال انه عمي ثمَّ رد الله تَعَالَى اليه بَصَره فحج فِي هَذِه الْحجَّة الاخيرة شكرا لله تَعَالَى على ذَلِك وَله مُصَنف فِي أصُول الْفِقْه سَمَّاهُ فُصُول الْبَدَائِع فِي أصُول الشَّرَائِع جمع فِيهِ الْمنَار والبزدوي ومحصول الامام الرَّازِيّ ومختصر ابْن الْحَاجِب وَغير ذَلِك واقام فِي عمله ثَلَاثِينَ سنة وَله تَفْسِير الْفَاتِحَة ورسالة اتى فِيهَا بمسائل من مائَة فن وَأورد عَلَيْهَا اشكالات وسماها انموذج الْعُلُوم قَالَ ابْن حجر كتب لي بِخَطِّهِ بالاجازة لما قدم الْقَاهِرَة مَاتَ فِي رَجَب سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة هَذَا مَا ذكره ابْن حجر وَلَقَد سَمِعت من بعض احفاده ان الرسَالَة الَّتِي اتى فِيهَا بمسائل من مئة فن إِنَّمَا هِيَ لِابْنِهِ مُحَمَّد شاه
1 / 17
وَرَأَيْت للْمولى الفناري عشْرين قِطْعَة منظومة كل قِطْعَة مِنْهَا مسئلة من فن مُسْتَقل وَغير أَسمَاء تِلْكَ الْفُنُون بطرِيق الالغاز امتحانا لفضلاء دهره وَلم يقدروا على تعْيين فنونها فضلا عَن حل مسائلها على انه قَالَ فِي خطْبَة تِلْكَ الرسَالَة وَذَلِكَ عجالة يَوْم مِمَّا تبصرون وَشرح هَذِه الرسَالَة ابْنه مُحَمَّد شاه الْمَذْكُور وَعين اسامي الْفُنُون وَبَين الْمُنَاسبَة فِيمَا ذكره من الالغازات وَحل مشكلات مسائلها ونظم عقيب كل قِطْعَة مِنْهَا قِطْعَة اخرى قَالَ فِي بَعْضهَا قلت مؤكدا وَفِي بَعْضهَا قلت مجيبا وأتى بِأَحْسَن الاجوبة وَشرح الْمولى الفناري الرسَالَة الاثيرية فِي الْمِيزَان شرحا لطيفا حسنا وَقَالَ فِي خطبَته شرعت فِيهِ غدْوَة يَوْم من اقصر الايام وختمت مَعَ اذان مغربه بعون الْملك العلام وَشرح الْفَرَائِض السِّرَاجِيَّة أَيْضا شرحا لطيفا وهومن احسن شروحها وَلما رأى شرح المواقف للسَّيِّد الشريف علق عَلَيْهِ تعليقات متضمنة لمؤاخذات لَطِيفَة على السَّيِّد الشريف وَله كثير من الرسائل والحواشي لَكِنَّهَا بقيت فِي المسودة وَمنع الافتاء والتدريس وَالْقَضَاء من تبييضها وَسمعت من بعض الثِّقَات ان مَوْلَانَا حَمْزَة وَالِد الْمولى الفناري كَانَ من تلامذة الشَّيْخ صدر الدّين القونوي وَقَرَأَ عَلَيْهِ من تصانيفه مِفْتَاح الْغَيْب واقرأه على وَلَده الْمولى الفناري ثمَّ ان الْمولى الْمَذْكُور شَرحه شرحا وافيا وَضَمنَهُ من معارف الصُّوفِيَّة مالم تسمعه الاذان وتقصر عَن فهمه الاذهان وَسمعت من وَالِدي ﵀ يَحْكِي عَن جدي ان الْمولى الفناري كَانَ مدرسا بِمَدِينَة بروسا فِي مدرسة مناستر وَكَانَ قَاضِيا بهَا ومفتيا فِي المملكة العثمانية وَكَانَ صَاحب ثروة عَظِيمَة وجاه وَاسع وَصَاحب ابهة وشوكة وَكَانَ إِذا خرج الى الْجَامِع يَوْم الْجُمُعَة يزدحم النَّاس على بَابه بِحَيْثُ يمتلىء من النَّاس مَا بَين بَيته وَبَين الْجَامِع الشريف وَكَانَ لَهُ عبيد لَا يُحصونَ كَثْرَة حُكيَ ان الْمولى خطيب زَاده قَالَ للسُّلْطَان مُحَمَّد خَان ان الْمولى الفناري من احسن مصنفاته فُصُول الْبَدَائِع وَأَنا ازيفه بادنى مطالعة وَكَانَ لَهُ مَعَ ذَلِك اثْنَا عشر من العبيد يلبسُونَ الثِّيَاب الفاخرة وَالْفراء النفيسة وَكَانَ لَهُ فِي بَيته جوَار لَا يحصين كَثْرَة اربعون مِنْهُنَّ يلبسن القلانس الذهبية وَحكي ايضا انه مَعَ هَذِه الابهة وَالْجَلالَة كَانَ يلبس نَفسه النفيسة ثيابًا دنيئة وَكَانَ على ر أسه
1 / 18
عِمَامَة صَغِيرَة على زِيّ مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَكَانَ يتعلل فِي ذَلِك وَيَقُول ان ثِيَابِي وطعامي من كسب يَدي وَلَا يَفِي كسبي بِأَحْسَن من ذَلِك وَكَانَ يعْمل صَنْعَة القزازية وَكَانَ بَيته بَين الْمدرسَة وَبَين قصر السُّلْطَان بايزيدخان الْمَذْكُور وَله مدرسة وجامع بِمَدِينَة بروسا ومرقده الشريف قُدَّام الْجَامِع يحْكى انه خلف عشرَة آلَاف مُجَلد من الْكتب يرْوى انه شهد السُّلْطَان الْمَذْكُور عِنْده يَوْمًا بقضية فَرد شَهَادَته فَسَأَلَهُ عَن سَبَب رده فَقَالَ انك تَارِك للْجَمَاعَة فَبنى السُّلْطَان قُدَّام قصره جَامعا وَعين لنَفسِهِ فِيهِ موضعا وَلم يتْرك الْجَمَاعَة بعد ذَلِك ثمَّ انه وَقع بَينهمَا خلاف فَترك الْمولى الفناري مناصبه ورحل الى بِلَاد قرامان وَعين لَهُ صَاحب قرامان كل يَوْم الف دِرْهَم ولطلبته كل يَوْم خَمْسمِائَة دِرْهَم وقرا عَلَيْهِ هُنَاكَ الْمولى يَعْقُوب الاصفر وَالْمولى يَعْقُوب الاسود وَكَانَ الْمولى الفناري يفتخر بذلك وَيَقُول ان يعقوبين قرآ عَليّ ثمَّ ان السُّلْطَان الْمَذْكُور نَدم على مَا فعله فِي حق الْمولى الفناري فارسل الى صَاحب قرامان يَسْتَدْعِي الْمولى الْمَذْكُور فَأجَاب اليه وَعَاد الى مَا كَانَ عَلَيْهِ من المناصب وَحكي انه صحب الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه الشَّيْخ حميد شيخ الْحَاج بيرام واخذ مِنْهُ التصوف ورايت لَهُ نظما ارسله الى الشَّيْخ عبد اللَّطِيف بن غَانِم الْقُدسِي خَليفَة الشَّيْخ زين الدّين الخافي قدس الله سره الْعَزِيز ... قدمت بِلَاد الرّوم يَا خير قادم ... بِخَير طَرِيق جلّ عَن كل نَائِم
فمنذ فتوح الرّوم لم يَأْتِ مثله ... الى ملكه يهدي بِهِ كل عَالم
على مَسْلَك الْمُخْتَار من سَائِر الورى ... الى حَضْرَة الْغفار من كل عَالم
يلقب زين الدّين قد صَحَّ كَامِلا ... وَيُسمى اذا عبد اللَّطِيف بن غَانِم
لعمرك ان ابْن الفناري طَالب ... وَلَكِن تقصيري لملزوم لَازم
وَقد حثني شوق شَدِيد لارضه ... لاقضي بقايا الْعُمر هذي عزائمي
وانتظر المخدوم فِي الْقُدس راجيا ... لجمع بِجمع السِّرّ عَن كل هائم
فَقُمْ واستلم حبرًا يعز بعصرنا ... وَسلم لَهُ مَا دمت حَيا بقائم
ورض واغتنم واخدم سَبِيلا لعارف ... تنَلْ بغية تعلو على كل خَادِم ...
1 / 19
وارسل اليه الشَّيْخ عبد اللطيف الْقُدسِي نظما جَوَابا لنظمه وَهُوَ هَذَا ... الا يَا امام الْعَصْر يَا خير قَائِم ... بشرع رَسُول الله يَا خير حَاكم
لانت فريد الْعَصْر فِي الْعلم والنهى ... وانت وحيد الدَّهْر اكرم حَازِم
وانت ضِيَاء الدّين بل انت شمسه ... بعلمك سَاد النَّاس يَا خير عَالم
ركبت مُحِيط الْعلم فِي سفن التقى ... ففقت على الاقران حَادث وقادم
فَأَنت اذا مَا كنت فِي بَلْدَة صبَّتْ ... وايقظ يقظان بهَا كل نَائِم
فان غبت لَا يخفى ضياك وايما ... حضرت فانت الشَّمْس فِي أفق عَالم
سَأَلت الهي ان يديم بقاءكم ... تقيض على الطلاب جن وآدمي
لعمرك شعري فِي جوابك عَاجز ... كنظم لحسان وكف لحاتم
قريضي اذا مَا فَازَ مِنْك بنظرة ... فَلَا بُد ان تُخْفُوهُ عَن كل ناظم
فَانِي لاستحيي اذا قيل انه ... اجاب مديح ابْن الفناري ابْن غَانِم ...
وَمن جملَة اخباره ان الطّلبَة الى زَمَانه يعطلون يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم الثُّلَاثَاء فأضاف الْمولى الْمَذْكُور اليهما يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالسَّبَب فِي ذَلِك انه اشْتهر فِي زَمَانه تصانيف الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ وَرغب الطّلبَة فِي قرَاءَتهَا وَلم تُوجد تِلْكَ الْكتب بِالشِّرَاءِ لعدم انتشار نسخهَا فاحتاجوا الى كتَابَتهَا وَلما ضَاقَ وقتهم عَن كتَابَتهَا اضاف الْمولى الْمَذْكُور يَوْم الِاثْنَيْنِ الى يَوْم العطلة وَمن جملَة اخباره ايضا انه كَانَ للسُّلْطَان الْمَذْكُور وَزِير مُسَمّى بعوض باشا وَكَانَ يبغض الْمولى الفناري وَلما عمي الْمولى الْمَذْكُور فِي أَوَاخِر عمره قَالَ الْوَزير الْمَذْكُور يَوْمًا ارجو من الله تَعَالَى ان اصلي على هَذَا الشَّيْخ الاعمى فَسَمعهُ الْمولى الفناري وَقَالَ انه جَاهِل لَا يحسن الصَّلَاة على الْمَيِّت وَأَرْجُو من الله تَعَالَى ان يشفيني ويعميه وأصلي عَلَيْهِ فشفى الله تَعَالَى الْمولى الفناري وكحل السُّلْطَان عين الْوَزير بحديدة محماة فَعميَ ثمَّ مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ الْمولى الفناري رُوِيَ انه كَانَ سَبَب عماه انه لما سمع ان الارض لَا تَأْكُل لُحُوم الْعلمَاء العاملين نبش قبر استاذه الْمولى عَلَاء الدّين الاسود ليتَحَقَّق عِنْده الرِّوَايَة
1 / 20
الْمَذْكُورَة فَوَجَدَهُ كَمَا وضع مَعَ انه مر عَلَيْهِ زمَان مديد فَعِنْدَ ذَلِك سمع صَوتا من هَاتِف والتفت اليه فاذا هُوَ يَقُول هَل صدقت اعمى الله بَصرك وَمن جملَة اخباره ان الْمولى الْمَذْكُور ومولانا احمدي ناظم تَارِيخ اسكندر وَالْمولى حاجي باشا مُصَنف كتاب الشِّفَاء فِي الطِّبّ كَانُوا شُرَكَاء الدَّرْس عِنْد الشَّيْخ أكمل الدّين فزاروا يَوْمًا رجلا من اولياء الله تَعَالَى فَنظر اليهم ذَلِك الرجل فَقَالَ لمولانا احمدي انك ستضيع وقتك فِي الشّعْر وَقَالَ للْمولى حاجي باشا انك ستضيع عمرك فِي الطِّبّ وَقَالَ للْمولى الفناري انك ستجمع بَين رياستي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْعلم وَالتَّقوى وَكَانَ كَمَا قَالَ لِأَن الموَالِي احمدي صحب الامير ابْن كرميان واشتغل لاجله بالنظم وَالْمولى حاجي باشا عرض لَهُ مرض فاضطره الى الِاشْتِغَال بالطب
وَمِنْهُم الْمولى الْعَالم حَافظ الدّين بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكردري الْمَشْهُور بِابْن البزازي
لَهُ كتاب مَشْهُور فِي الفتاوي اشْتهر بالفتاوي الْبَزَّازِيَّة وَله كتاب فِي مَنَاقِب الامام الاعظم ابي حنيفَة ﵁ وَهُوَ كتاب نَافِع فِي الْغَايَة مُشْتَمل على المطالب الْعَالِيَة طالعته من اوله الى آخِره واستفدت مِنْهُ وَلما دخل بِلَاد الرّوم باحث مَعَ الْمولى الفناري وَغلب هُوَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوع وَغلب ذَلِك عَلَيْهِ فِي الاصول وَسَائِر الْعُلُوم مَاتَ ﵀ عَلَيْهِ فِي أواسط رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة
وَمِنْهُم الْمولى الْفَاضِل صَاحب الْقَامُوس وَهُوَ مجد الدّين ابو طَاهِر مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ الفيروز ابادي
وَكَانَ ينتسب الى الشَّيْخ ابي اسحق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه وَرُبمَا يرفع نسبه الى ابي بكر الصّديق ﵁ وَكَانَ يكْتب بِخَطِّهِ الصديقي دخل بلادالروم واتصل بِخِدْمَة السُّلْطَان الْمَذْكُور ونال عِنْده مرتبَة وجاها واعطاه السُّلْطَان الْمَذْكُور مَالا جزيلا واعطاه الامير تيمورخان خَمْسَة آلَاف دِينَار ثمَّ جال الْبِلَاد شرقا وغربا وَأخذ من علمائها حَتَّى برع فِي الْعُلُوم كلهَا سِيمَا الحَدِيث وَالتَّفْسِير
1 / 21
واللغة وَله تصانيف كَثِيرَة تنيف على اربعين مصنفا واجل مصنفاته اللامع الْمعلم العجاب الْجَامِع بَين الْمُحكم والعباب وَكَانَ تَمَامه فِي سِتِّينَ مجلدة ثمَّ لخصها فِي مجلدتين وسمى ذَلِك الملخص بالقاموس الْمُحِيط وَله تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم وَشرح البُخَارِيّ والمشارق وَكَانَ ﵀ لَا يدْخل بَلْدَة الا وأكرمه واليها وَكَانَ سريع الْحِفْظ وَكَانَ يَقُول لَا أَنَام الا واحفظ مِائَتي سطر وَكَانَ كثير الْعلم والاطلاع على المعارف العجيبة وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ آيَة فِي الْحِفْظ والاطلاع والتصنيف ولد سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة بكارزين وَتُوفِّي قَاضِيا بزبيد من بِلَاد الْيمن لَيْلَة الْعشْرين من شَوَّال سنة سِتّ اَوْ سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة وَهُوَ ممتع بحواسه وَدفن بتربة الشَّيْخ اسمعيل الجبرتي وَهُوَ آخر من مَاتَ من الرؤساء الَّذين انْفَرد كل مِنْهُم بفن فاق فِيهِ اقرانه على رَأس الْقرن الثَّامِن وهم الشَّيْخ سراج الدّين البُلْقِينِيّ فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي ﵀ وَالشَّيْخ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي الحَدِيث وَالشَّيْخ سراج الدّين بن الملقن فِي كَثْرَة التصانيف فِي فن الْفِقْه والْحَدِيث وَالشَّيْخ شمس الدّين الفناري فِي الِاطِّلَاع على كل الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية والعربية وَالشَّيْخ ابو عبد الله بن عَرَفَة فِي فقه الْمَالِكِيَّة وَفِي سَائِر الْعُلُوم بالمغرب وَالشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ فِي اللُّغَة رَحِمهم الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَامِل والفاضل الْكَامِل الْعَارِف بِاللَّه الشَّيْخ شهَاب الدّين السيواسي ثمَّ الاياثلوغي
كَانَ ﵀ عبد لبَعض من اهالي سيواس فتعلم فِي صغره مباني الْعُلُوم ثمَّ قرا على عُلَمَاء عصره حَتَّى فاق أقرانه وبرع فِي كل الْعُلُوم ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة الشَّيْخ مُحَمَّد خَليفَة الشَّيْخ زين الدّين الحافي وَحصل عِنْده عُلُوم الصُّوفِيَّة ثمَّ ارتحل مَعَ شَيْخه الى بَلْدَة أياثلوغ وأكرمه الامير ابْن ايدين غَايَة الاكرام فتوطن هُنَاكَ وَمَات فِي حُدُود الثَّمَانِينَ من الْمِائَة الثَّامِنَة وَدفن بهَا وقبره مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ وَله تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم سَمَّاهُ بعيون التفاسير وَهُوَ الْمَشْهُور بَين النَّاس بتفسير شيخ وَرَأَيْت لَهُ رِسَالَة فِي طَريقَة الصُّوفِيَّة سَمَّاهَا رِسَالَة النجَاة فِي شرف الصِّفَات من تصفحها يشْهد لَهُ بِأَن لَهُ قدما راسخا فِي التصوف ورايت لَهُ رِسَالَة أُخْرَى فِي
1 / 22
التصوف ايضا وَلَكِن لم يحضرني اسْمهَا الان طيب الله مرقده وَفِي اعلى غرف الْجنان ارقده
وَمِنْهُم الْعَالم الْفَاضِل الْمولى حسن باشا ابْن الْمولى عَلَاء الدّين الاسود
قرا على وَالِده اولا ثمَّ قَرَأَ على الْمولى جمال الدّين الاقسرائي وَاجْتمعَ عِنْده مَعَ الْمولى شمس الدّين الفناري رُوِيَ ان الْمولى جمال الدّين نظر يَوْمًا فِي حجرات الطّلبَة خُفْيَة فَرَأى الْمولى حسن باشا مُتكئا ينظر فِي الْكتاب وَنظر الى الْمولى الفناري فَرَآهُ جاثيا على رُكْبَتَيْهِ يطالع الْكتب وَيكْتب الْحَوَاشِي عَلَيْهَا فَقَالَ فِي حق الاول انه لَا يبلغ دَرَجَة الْفضل وَقَالَ فِي حق الثَّانِي انه سيحصل الْفضل وَيكون لَهُ شَأْن فِي الْعلم وَكَانَ كَمَا قَالَ وَالْمولى حسن باشا شرح المراح فِي الصّرْف وَشرح الْمِصْبَاح فِي النَّحْو وَسَماهُ بالافتتاح
وَمِنْهُم الْعَالم الْفَاضِل الْمولى صفر شاه
كَانَ عَالما بِجَمِيعِ الْعُلُوم وَله يَد طولى فِي البلاغة وَقد جمع بَين الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَالْفُرُوع والاصول ارسل اليه الْمولى الْعَلامَة شمس الدّين الفناري بعض المشكلات من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَأمره بِالْجَوَابِ عَنْهَا فَكتب اجوبتها وأرسلها اليه وَاعْتذر عَن التَّعَرُّض للجواب اظهارا للتأدب مَعَه وَذكر انه شرع فِي الْجَواب بِحكم مَا قيل الْمَأْمُور مَعْذُور وَرَأَيْت لَهُ خطبا بليغة حَسَنَة التَّرْتِيب مَقْبُولَة النظام روح الله روحه
وَمِنْهُم الْعَالم الْفَاضِل الْمولى المرحوم مُحَمَّد شاه ابْن الْمولى شمس الدّين الفناري
كَانَ ﵀ عَالما فَاضلا ذكيا وَكَانَ مطلعا على مَا اطلع عَلَيْهِ وَالِده من الْعُلُوم وَكَانَ زَائِدا عَلَيْهِ فِي الذكاء وفوض اليه فِي حَيَاة ابيه تدريس الْمدرسَة السُّلْطَانِيَّة بِمَدِينَة بروسا وَسنة ثَمَانِي عشرَة سنة وَاجْتمعَ عِنْده فِي أول يَوْم من درسه عُلَمَاء تِلْكَ الْبَلدة وفضلاء طلبتها وسألوه عَن مسَائِل من الْفُنُون المتفرقة فَأجَاب عَن كل مِنْهَا باحسن الاجوبة وشهدوا لَهُ بالفضيلة واعترفوا باطلاعه على جَمِيع الْعُلُوم وَكَانَ معيد درسه وقتئذ الْمولى فَخر الدّين العجمي وستجيء تَرْجَمته حُكيَ انه مَا عجز فِي ذَلِك الْيَوْم عَن جَوَاب اُحْدُ الا عَن جَوَاب
1 / 23
وَاحِد من الطّلبَة وَكَانَ ذَلِك الطَّالِب مشتهرا بِالْفِسْقِ رُوِيَ انه حِين الزمه وَسلم ذَلِك الطَّالِب جَوَابه بَكَى من شدَّة غيرته وَرُوِيَ انه أَتَى وَالِده ذَلِك الْيَوْم بعد الدَّرْس وَقَالَ كنت تَقول ان الْفَاسِق لَا يكون عَالما وَمَا اتعبني هَذَا الْيَوْم الا سُؤال فلَان وانه فَاسق قَالَ الْمولى الفناري لَو لم يكن هُوَ فَاسِقًا لَكَانَ فَضله فَوق مَا رَأَيْت توفّي فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَامِل والفاضل الْكَامِل الْمولى يُوسُف بالي ابْن الْمولى شمس الدّين الفناري روح الله روحمهما
كَانَ عَالما فَاضلا فوض اليه تدريس الْمدرسَة المزبورة بعد وَفَاة اخيه وَقَرَأَ عَلَيْهِ جدي المرحوم ثمَّ استقضي بِمَدِينَة بروسا وَمَات قَاضِيا بهَا فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة
وَمِنْهُم الْعَالم الرباني والفاضل الصمداني الشَّيْخ قطب الدّين الازنيقي
كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى عَالما فَاضلا زاهدا متورعا وَكَانَ لَهُ حَظّ عَظِيم من التصوف ولد بازنيق وقرا على عُلَمَاء زَمَانه وتمهر فِي كل الْعُلُوم لَا سِيمَا الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَتُوفِّي بهَا وصنف فِي كتاب الصَّلَاة مصنفا جَامعا لمسائلها رُوِيَ انه لما اجتاز تيمور خَان بالبلاد الرومية اجْتمع مَعَ الشَّيْخ الْمَذْكُور فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ عَلَيْك ان تتْرك صنيعك هَذَا من قتل عباد الله وَسَفك الدِّمَاء الْمُحرمَة فَقَالَ يَا شيخ إِنِّي انْزِلْ فِي منزل وَبَاب خَيْمَتي الى الشرق فأجد بَابهَا فِي الْغَد الى الْمغرب فَإِذا ركبت يركب امامي نَحْو خمسين رجلا لَا يراهم غَيْرِي وَإِنِّي اقفو اثرهم وامتثل امرهم فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ كنت سَمِعتك رجلا عَاقِلا والان علمت انك جَاهِل فَقَالَ من ايْنَ قلت هَذَا قَالَ لانك تفتخر بِوَصْف الشَّيْطَان وَهُوَ كَونه مظْهرا لقهر الله ﷾ ثمَّ افْتَرقَا مَاتَ ﵀ فِي الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْقعدَة لسنة احدى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَامِل والواصل الْكَامِل الْمولى بهاء الدّين عمر ابْن مَوْلَانَا قطب الدّين الْحَنَفِيّ
كَانَ ﵀ عَالما فَاضلا فَقِيها متشرعا يرجع اليه فِي أَمر الْفَتْوَى فِي زَمَانه
1 / 24