هكذا فرضت إشكالية الأسس الأبستمولوجية للعلم نفسها في ضوء جديد حددته، وألقت أضواء على أزمة العلوم الطبيعية وما انطوت عليه من مشكلات فلسفية معرفية ومنطقية. هذا علاوة على الأضواء الكاشفة لإنجازات العلوم بعامة بما في ذلك العلوم الإنسانية مثل علوم اللغات والأنثروبولوجيا وسيكولوجيا الإدراك وسوسيولوجيا المعرفة ودراسات الثقافات المقارنة. وقد أسهمت جميعا في تفسير العديد من المفاهيم السائدة وتوضيح العملية المعرفية، وعدلت من أسلوب تناول الظواهر، وغيرت صورة العالم تغيرا جذريا. نضيف إلى هذا الحوار المضطرم بين هذه العلوم جميعا حول محور العملية المعرفية والذات والموضوع. وعلاقة المعرفة العملية بنسق الموضوعات والمناظرة.
واحتلت مشكلة تطور العلم في التاريخ مكان الصدارة منذ مطلع القرن العشرين ولا تزال. وبرزت أسماء لعلماء مرموقين؛ وتعددت أو تضاربت الآراء، وانعقدت مؤتمرات دولية لمناقشة القضايا المتعقلة بتطور العلم في التاريخ. وتضافرت جهود علماء الطبيعة ومؤرخي العلم لصوغ اتجاه جديد للبحث النظري التاريخي يمكن أن نسميه منطق التطور العلمي، وموضوعه دراسة ميكانيزمات إنتاج وحركة العلم، وتحليل تطور بنية العلم، ومناهج تحصيل المعارف الجديدة، واكتشاف قوانين التقدم العلمي ومعاييره، وأشكال وصيغ التقدم، وعلاقة العلم بالتراث الثقافي ونسق الفكر المشترك «الأبسيتمي» وعلاقة التقدم العلمي بالتقدم الاجتماعي والارتقاء الحضاري، والعلم والتنبؤ بالمستقبل؛ والعلم والسياسات القومية؛ والعلم والإبداع في ضوء العلوم المختلفة، والعلم والتعليم .. إلخ، والعلم وما قبل العلم أي معايير الحكم على معرفة بأنها علمية ولاعلمية. وحين بدا أن العلم أو إنجازات العلم تشكل خطرا يتهدد الإنسان بل والوجود الحضاري فرض السؤال نفسه: هل مسيرة العلم عشوائية أم يمكن للإنسان أن يحكم قبضته على مسيرة العلم تخطيطا وتوجيها ضمانا لسداد وصواب تطوره؟ وبرزت أهمية فهم قوانين العلم كعملية تاريخية ممتدة وكقوة اجتماعية فاعلة، سواء من زاوية معرفية أو من زاوية التوجيه العملي لمسار العلم.
وتعددت مدارس الفكر، وتعقدت مناهج التناول مع تعقد فروع المعرفة واتساع نطاقها وازدياد تخصصها وغزارة إنجازاتها وعمق إشكالياتها. ومؤرخ العلم لا بد وأن يضع في الحسبان كل فروع المعرفة، ويبحث العلاقات المتداخلة بينها، المتواترة والمركبة. هل يدرس العلم كفرع معرفي، أم العلم كظاهرة اجتماعية ونشاط له تاريخ؟ وهل هناك علم عام ينصب عليه البحث وتستقى منه معطياتنا؟ وهل يدرس العالم الفرد أم العلماء كقوة اجتماعية؟ وماذا عن الجوانب النفسية للعلماء المبدعين وأسباب تميزهم؟ وكيف عبروا عن أنفسهم، ودور البيئة والتراث في هذا كله؟ وهل يدرس التسلسل المنطقي لحركة العلم وترابط الوقائع العلمية وتقديم تفسير منطقي للاكتشافات؟
وشاعت مع الحرب العالمية عبارة
Big Science
أو النشاط العلمي المكثف والمنظم والجمعي. وظهر اتجاه جديد متميز لدراسة مظاهر اطراد التقدم العلمي وأدائه كمحاولة للإجابة عن هذه الأسئلة وحسم تلك الإشكاليات. وعرف هذا الاتجاه باسم علم العلم
Scientology or Science of Science
ويسميه البعض حكمة العلم
Scientosophy
أو الدراسة التسجيلية للعلم
صفحه نامشخص