55

إلا أنه كلام يقال عن رجل يخلق شخوص الرجال.

لكن ماذا يقال عن خلق أمثال هذا العدد من النساء؟ وماذا يقال عن خلق شخصيات الأطفال وهم لا يعرفون أنفسهم في أعمارهم ولا يعرفون ما يبقى لهم من ذكريات الصبا إذا جاوزوا سن الطفولة؟

كتبت السيدة آنا جيمسون كتابها المشهور عن بطلات شكسبير، فنقلت فيه خمسا وعشرين صورة تحليلية من صور النساء في مسرحيات شكسبير: منهن نساء الذكاء والفطنة، ومنهن نساء المطامع والمغامرات، ومنهن نساء العاطفة والحنان، ومنهن النساء المعروفات في التاريخ، وكلهن نساء وليس فيهن واحدة تشبه الأخرى في جملة صفاتها ونياتها، وخلاصة ما قالته عنهن إنها - وهي امرأة - كانت تنظر في مرآة شكسبير؛ فتصحح منها علمها بالنساء حين يختلفن مثل هذا الاختلاف، إنه لأبعد اختلاف وجد بين أنثى وأنثى في جميع الأمم.

والممثلة النابغة إلين تيري

Ellen Terry

تكتب عن الأطفال في مسرحيات شكسبير، وقد بدأت عملها على المسرح بتمثيل بعض هؤلاء الأطفال، فإذا بها تنسى، وإذا بالشاعر يذكرها كما تذكرها صور الحياة، وكأنها تستكثر أن يكون هذا وعيا باطنا من الشاعر وحسب، فيخيل إليها أنه كان ينقل الصورة تارة من ابنه «هامنت» وتارة من الطفل وليام شكسبير كما بقي في وعيه من ذكريات صباه. •••

وأغرب من هذا في القدرة على استكناه بواطن النفس ومحاكاتها على حقيقتها أن يقتدر شاعر في القرن السادس عشر على عرض العلل النفسية بحدودها العلمية التي كشفت عنها دراسات العلماء بتفصيلاتها ودخائلها في العصور المتأخرة، ولم يزل منها سر خفي ينكشف من غيابته العميقة عاما بعد عام إلى هذه الأيام.

إن الأقدمين قد عرفوا حالات الجنون والبلاهة، وعرفوا أن الجنون فنون، وأن الهوى قد يداخل العقول بمس من الجنون في الأصحاء، كما قال ابن الرومي:

أعيى الهوى كل ذي عقل فلست ترى

إلا صحيحا له حالات مجنون

صفحه نامشخص