واسترسل طلاب التعديل والتنقيح حبا للتفنن والتنويع أحيانا، ولغير ضرورة من ضرورات المسرح أو ضرورات الاصطلاح في اللغة، فخطر للسير باري جاكسون
Barry Jackson
في أوائل القرن العشرين أن يمثل هملت بملابس العصر الحاضر، فقوبلت فكرته بالاستغراب والتطلع ولكنها لم تعدم من النقاد المعدودين من يحبذها ويستكثر من تطبيقها، وقال أحدهم هيورت جريفين، ما معناه إن هذا التمثيل بالملابس العصرية قد أظهر الجانب الإنساني الخالد في هملت فلم يبد عليه شيء من الغرابة كالذي بدا على أصحابه الثانويين ممن غلبت صبغة عصرهم على الصبغة الإنسانية. •••
وتتراجع في هذا العصر محاولات التبديل والتعديل في نصوص شكسبير، بعد أن مرت بأدوار شتى لم تكن كلها تدور على الأسباب المسرحية التي نشأت منها.
فقد نشط المبدلون والمعدلون في أيام الرجعة أو أيام الاستقرار
Restoration ؛ لأنها كانت في نظر أبنائها عصر تبديل وتعديل في النظم والآداب والتقاليد والعادات وكانوا ينظرون إلى ثورة المتطهرين كأنها حد فاصل بين ماض مهجور ومستقبل منظور، يبنى كل ما فيه على أساس جديد.
واستولت هذه الفكرة على خواطر القوم وأهوائهم قرابة مائتي سنة إلى أواسط القرن التاسع عشر، وفي هذه الفترة سرت دعوة النقد التحليلي ودراسات علم النفس وتطبيقاتها على الفنون، ولا سيما فن التمثيل وفن التأليف المسرحي؛ لأنهما موكلان بتحليل الشخوص وتطبيق الدراسات النفسية، فتبين من إعادة النظر في شكسبير على ضوء هذه الدراسات أنه أعظم من ناقديه وأعظم من مسرحه وجمهوره ، وكان من مفارقات الزمن أن شهرته العالمية خارج بلاده نبهت قومه إلى المحافظة على تراثه والاعتداد بمكانته فأصبح عندهم، وعند نقاده الأوروبيين فنا مستقلا يوزن بميزانه، ويحتفظ به لذاته، وأصبحت له إلى جانب قيمته الحية الباقية قيمة الأثر العزيز الذي يضن به على التغيير.
وقد تراجعت محاولة التبديل - من ثم - إلى حدودها المعقولة، فاستباح المخرجون والممثلون ترك الفضول من المناظر التي يغني عنها بناء المسرح الجديد، وأجمع المشتغلون بالمسرح على التحرج من التبديل الجائر الذي يخفي صنعة الشاعر وأنماطه المألوفة في التعبير والتأثير، واستحبوا أن يعودوا النظارة قبوله في ساحة المسرح على علاته وأن يعرفوا له حقه في الكلام على سجيته، كما يعرفون هذا الحق لمن يقدرون نفاسة حديثه ويضنون بها أن تضيع بدواته، أما فنه المكتوب فقد تركوه بحرفه واجتهدوا في تقريبه شرحا وتيسيرا على درجات تناسب القراء، مع تفاوت السن والفهم والثقافة. •••
وننتقل من خصائص الشاعر إلى مزاياه، وكأننا ننتقل من الأداء إلى الرسالة التي أداها الشاعر بفنه من منظوم ومنثور وقصص وتمثيل، ولباب هذه الرسالة في كلمة واحدة أنها رسالة «الإنسان».
كانت دعوة العصر كله دعوة الإنسانيين، وكان من نصيب هذا الشاعر أن يكون ترجمانا لدعوة عصره، ولا بد لها من ترجمان، فانتهى العصر وبقيت الترجمة؛ لأنها ترجمة عن الإنسان الخالد، وهو لا ينحصر في عصر من العصور.
صفحه نامشخص