أما أن يلحق بالفرق الجزالة ويوطن النفس على عيشة كعيشة الطرداء والشذاذ فليس بالمستحيل ولكنه بعيد، وأبعد منه أن يرتقي في صناعة المسرح الجوال إلى مكان يحتفل به تاريخ الآداب.
إن القائلين: «إن السبب يبطل العجب.» يقولون صوابا إذا أرادوا بمقالتهم أن عرفان السبب يريح من حيرة الأعجوبة التي تبده الذهن بما يذهله ويخالف مألوفه.
ولكنهم لا يقولون صوابا إذا وقع في ظنهم أن الأعاجيب بغير أسباب، فإن أعجب الأعاجيب له سببه كهذه الحوادث التي تشيع بيننا كل يوم وكل ساعة فيما نسمعه أو نراه.
وليس بطلان الحيرة وبطلان العجب بسواء، فإن الحيرة قد تبطل في أمر نعرفه وننفذ إلى سره أو نحسب أننا قادرون على النفاذ إليه، ويظل الأمر بعد ذلك عجبا نادرا كأندر ما تكون الأعاجيب.
فربما كان شكسبير قد أحس في صباه قدرة على النظم وراقه بعض ما اطلع عليه من مناظر التمثيل في المدرسة أو في أحاديث قرائها من أبناء قريته، وفيها من قراء اللاتينية غير قليل.
وربما استمع إلى أحاديث أبناء القرية العائدين من العاصمة يتندرون بفتنة لندن وفتنة هذا الفن الجديد الذي يناهض سلطان مجلسها ويقهره على قبول ما يأباه في عقر داره؛ فلا يملك أن يشوقه فن العاصمة الفاتن من بعيد، وإن فتنته للمستعدين لأقوى سحرا وأعمق أثرا من فتنته لمن يأنسون به ولا يزيدون على النظر إليه.
ولكنه كان ينبغي أن يولد حين ولد، وأن تدركه العسرة حين أدركته وأن يهجر وطنه حين اضطر إلى الهجرة، لينبغ في العمل الوحيد الذي كان نبوغه فيه أعجوبة الأعاجيب.
وهذه العبقرية على عظمتها إحدى عبقريات لا تحصى نعلم منها أن هذه الهبة العالية قد يوافقها زمان دون زمان، وقد تصلح لها حالة دون حالة، ولكنها تعم البيئات جميعا في الريف والحضر، وفي الرخاء أو الشدة، وفي شواغل العلم أو العمل. •••
كان مولد شكسبير في ولاية وارويك بقرية ستراتفورد على أصغر الأنهار التي تعرف باسم «أڨون»، وهي كلمة قلتية تقابل كلمة «نهير» باللغة الإنجليزية.
واسم شكسبير قديم في الولاية يتركب من كلمتين بمعنى: هزاز الرمح، ولعله كان في أصل التسمية لقبا مقصودا بهذا المعنى؛ لأن بحوث العلامة شيمبرز انتهت إلى رجل كان يسمى وليام شكسبير - كاسم الشاعر - قضي عليه بالموت في سنة 1248؛ لأنه كان يسطو على الأطراف يوم كان غزو الولايات والخروج على أمرائها آية من آيات النخوة والمخاطرة، وليس في الأسانيد التاريخية ما يدل على صلة بين وليام شكسبير هذا ووليام شكسبير الشاعر.
صفحه نامشخص