شجرة الدر: قصة تاريخية
شجرة الدر: قصة تاريخية
ژانرها
وشمخ آق طاي بأنفه؛ إذ كان بجده واستبساله قد أدرك المعز هذا النصر، فوقف بين يدي الملكين يوجه حديثه إلى الملك الصبي دون صاحبه: «كل ما حصل بسعادتك يا مولاي، وما سعينا إلا في تقرير ملكك!»
وفهم أيبك ما أراده آق طاي، فتغابى وطوى صدره على ما فيه من الغيظ. •••
ثم دارت الدائرة على العرب كما دارت على الأيوبيين، فأحصي من قتلاهم بضعة آلاف، ونصبت المشانق لأمرائهم على امتداد الطريق بين بلبيس والقاهرة، واعتقل الأمير ثعلب، فألقي في جب من جباب القلعة، وخمدت جمرة العرب. •••
وتوسط نجم الدين البادرائي رسول الخليفة في الصلح بين الملك المعز والناصر صلاح الدين صاحب حلب، فتعاهدا على أن يكون للمعز مصر إلى حدود الأردن، مضافا إلى ذلك غزة والقدس ونابلس والساحل كله، وللناصر ما وراء ذلك من بلاد الشام.
وصفا الجو للملك المعز وأمن ظهره، فخلع الأشرف موسى ونفاه إلى بلاد الأشكري
9
واستأثر بالملك وحده؛ ولكن شجرة الدر ظلت قابضة على السلطان فليس لأحد معها رأي ولا إرادة.
وخلصت الدولة للمماليك.
ولكن مظاهر البذخ والأبهة التي كان يخرج بها أيبك على الناس، قد أثارت نفوس الأمراء جميعا؛ كأنما لم يحسوا بانتقال زميلهم من المملوكية إلى العرش، إلا حين تفانى الأعداء والمتنافسون وخلصت الدولة للتركمانية؛ فأجد ذلك لكل أمير من أمراء المماليك أملا في اعتلاء العرش يلتمس لتحقيقه الأسباب. ••• - أرأيت أيبك في موكبه يا بيبرس، شامخ الأنف مطبق الفكين ثابت النظرة لا يكاد يرد التحية؛ كأن مصر ضيعته وكل من فيها عبيده! - ذلك حق الملوكية يا آق طاي، أم تريده وقد صار إليه عرش مصر أن يمشي في الأسواق راجلا يجيب كل من يسأله، ويقف لكل من يهتف باسمه؟ - أتمزح يا بيبرس؟ فبأي حق كانت له الملوكية دون سائر المماليك الصالحية، وما هو كبيرهم ولا أثبتهم قدما في الجهاد، ولا أوسعهم حيلة ولا أقدمهم مملوكية؟! - بحق شجرة الدر. - ها ها! وما لشجرة الدر وهذا كله؟ أصار إليها هذا العرش وراثة كبعض ما يرث الناس عن أهليهم من المتاع فتهبه لمن تشاء، أم أوليناها نحن إياه يا بيبرس؟ - ولكنها زوجة مولانا الملك الصالح أيوب. - بلى، قد كان ذلك يوما، أما اليوم فإنها زوجة الجاشنكير؛ فإن كان أيبك قد خيلت له أوهامه أنه بهذا وحده قد صار له عرش مصر من دوننا فقد ساء رأيا، وسيرى عاقبة أمره! - ماذا تعني يا آق طاي؟ - لست أعني شيئا يا بيبرس؛ وإنما أنا أمير المماليك - سادة هذه الدولة - لا يعرفون لهم أميرا غيري؛ فإن كان لا بد مع ذلك لإدراك السيادة من أن أصل حبلي بنسب ملوكي، فما أيسر أن يكون لي زوجة أعرق أرومة وأوثق صلة بالملوكية من زوجة أيبك الجاشنكير! - من تعني؟ - سأتزوج أميرة من بنات أيوب، وأتخذ لها بيتا في القلعة مثل شجرة الدر! - وترى ذلك حقيقا بأن يبلغ بك العرش؟ - سترى! - لست أريد أن أرى!
الفصل الرابع والعشرون
صفحه نامشخص