شجرة الدر: قصة تاريخية
شجرة الدر: قصة تاريخية
ژانرها
الفصل السابع عشر
قلوب موزعة!
وكان موت الملك لا يزال سرا مطويا، لم يذعه القصر ولم يتحدث به نائب الملك إلى أحد من الخاصة أو العامة، ولكنه مع ذلك حديث شائع يتردد على أفواه الناس في شتى أنحاء البلاد، لا يؤمنون به ولا يكادون ينكرونه.
وكانت معركة الصليبيين لم تزل دائرة، قد حشد لها الفرنجة كل ما يملكون من قوة وعتاد، وجمع لها المصريون كل ما يستطيعون من أسباب الدفاع والمقاومة.
وكأنما كان سقوط دمياط في أيدي الصليبيين، وما نال أهلها من القتل والتشريد والمذلة، حافزا لكل ذي يدين أن يتهيأ لحمل سلاحه؛ للذود عن حياته وعرضه وحماه، وكأنما كانت هزيمة فخر الدين في تلك المعركة شرارة ألهبت دمه، فأخذ يعد عدته للثأر ويستجمع قوته للوثبة.
وأنفقت شجرة الدر ليلها ونهارها ترقب حركات العدو في الميدان، وترسم الخطط للإيقاع به وإحباط مسعاه، من غير أن تبدأ هجوما عليه أو تهيئ له فرصة لاستئناف الزحف.
وتألفت فرق من الفدائيين تنقض على معسكر العدو على امتداد الساحل، في هدأة الليل أو في قيلولة النهار، فلا تزال تجندل القتلى، وتحمل الأسرى عشرات ومئات، وتخرب المنشآت العسكرية.
وضاق العدو آخر الأمر بمكانه، فلولا خشيته أن يكون وراء موقف المصريين مكيدة مبيتة لاستدراجه لاستأنف الزحف غير متلبث.
وانتصف الشتاء، وقلت ذخيرة العدو من الأقوات والوقود، وهبت الأعاصير على سفنهم الراسية في النيل، فدمرت منها أكثر من مائتي سفينة، وتتابعت غارات الفدائيين حتى حرمتهم هدوء النهار وراحة الليل، وأوشك الخلاف أن ينشب بين قادة الصليبيين فيتدابروا وتذهب ريحهم.
ثم جاءتهم الأنباء بموت الملك الصالح، فخرجوا في حمية يقصدون المنصورة في عدد وعدة، فلم تمض إلا أيام حتى كانوا تجاه المنصورة؛ يتهيئون لاجتياز البحر الصغير إلى المدينة التي اتخذها المصريون قاعدة للدفاع.
صفحه نامشخص