شجرة الدر: قصة تاريخية
شجرة الدر: قصة تاريخية
ژانرها
ولم تكن هذه أولى حملات الصليبيين على دمياط؛ إذ كان موقعها على مصب الفرع الشرقي للنيل، مغريا لهؤلاء الغزاة على قصدها، ليركبوا النيل منها إلى القاهرة فلا يعترض سبيلهم شيء - فيما يزعمون - دون امتلاك البلاد.
على أن دمياط كانت من المناعة وعظم الاستعداد بحيث لا يسهل على العدو أن يقتحمها دون أن يتعرض للهلكة وبعد حصار طويل يستنفد قوته وجهده، وقد ثبتت لحصار الصليبيين ذات مرة منذ بضع عشرة سنة،
2
فلم يستطيعوا أن يقتحموا أسوارها إلا بعد سبعة عشر شهرا؛ ولم يكن بها يومئذ من المقاتلة قوة ذات شأن، فأنى للصليبيين ما يأملون منها اليوم، وفيها من فيها من الأمراء والجند وأبطال بني كنانة، وعلى رأس قوات الدفاع الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ؟! •••
كان الأمير فخر الدين هو كل من بقي من ذوي الحسب الرفيع من أمراء دولة بني أيوب في مصر، وكان أميرا مهيبا له وقار وسمت، وفيه أريحية ونخوة، وله مشاركة في العلم والأدب، وماض في الجهاد، ووجاهة بين الناس، وكان إلى ذلك كله أثيرا لدى الملك الصالح؛ إذ كان أخا بالرضاع لأبيه الملك الكامل، وله عليه يد؛ إذ هيأ له السبيل لاعتلاء العرش بعد خلع أخيه العادل، وقد أدنته مكانته تلك من الملك؛ فلا يوصد دونه باب، ولا يعترض سبيله حجاب، وكان يتمتع من الجاه والحظوة لدى شجرة الدر بمثل ما يتمتع به لدى مولاها؛ إذ كانت تقدر له بلاءه في خدمة الدولة وتعرف مكانه، فلما برح الداء بالملك الصالح واقترب موعده، لم تجد شجرة الدر حولها من الأمراء من تؤهله صفاته لمؤازرتها فيما تضطلع به من الأعباء غير الأمير فخر الدين، فكأنما أرادت أن تمهد له السبيل إلى أمل تأمل أن يبلغه في يوم قريب، فأشارت على الملك أن يوليه قيادة الجند.
على أن حظوة الأمير فخر الدين لدى الشعب، ولدى الملك والملكة، قد أثارت غيظا كظيما لدى أمراء المماليك، فتداعت أمانيهم،
3
ولكنهم كانوا من الولاء والطاعة لمولاهم ومولاتهم بحيث لا يملكون إلا الرضا والتسليم!
وكأنما أحس فخر الدين بما يصطرع حوله من نوازع الخير والشر، فامتطى فرسه على رأس الجيش إلى دمياط وفي نفسه قلق وريبة، لا يدري أين تنتهي به المقادير، ولا كيف تكون عاقبة أمره وأمر الدولة، وهذه صحة الملك تزداد كل يوم سوءا، فلولا ثبات جنانه وقوة نفسه لأثبته المرض في فراشه لا يملك أمرا ولا نهيا، وحقت على البلاد الهزيمة! •••
ونزل العدو على الساحل، فما كانت إلا كرة بعد كرة حتى تقهقرت قوات الدفاع وألقي الرعب في قلوب الحامية ، فلم تثبت لهجوم الفرنجة وأخلت معاقلها!
صفحه نامشخص