درختی که در بروکلین رشد میکند
شجرة تنمو في بروكلين
ژانرها
وعندما أحضرت فرانسي التذكرة وقطعة السنتات العشرة ودفعتهما فوق مائدة الصراف، ناولها القميص بعد أن لفه وأعطاها بندقتين بقية الحساب، وأحبت فرانسي البندقتين؛ لأن لهما قشرة صلبة يسهل كسرها، بداخلها ثمر لين حلو المذاق، وبداخل الثمرة نواة صلدة لم يستطع طفل من قبل قط أن يكسرها، ويقال إن تلك النواة تشتمل على نواة أصغر منها حجما وهكذا دواليك، ويقال أيضا إن النوى سرعان ما تمعن في الصغر حتى لا تستطيع أن تراها إلا بالمجهر، وهذه النوى الصغيرة تتدرج في الصغر حتى لا يمكنك أن تراها لا بالمجهر ولا بغيره، ولكنها تكمن في البندقة دائما، ولا يمكن أن تنتهي أبدا، وهذا أول عهد فرانسي باللانهاية.
وخير الأوقات عند فرانسي حين يقوم الرجل بفك النقود، فيخرج إطارا خشبيا صغيرا ربط بقضبان رقيقة عليها كرات زرق وحمر وصفر وخضر، ويزحلق الكرات لتصعد القضبان النحاسية ويتأملها بسرعة، ثم يقرعها حتى يردها جميعا إلى مكانها معلنا «تسعة وثلاثين سنتا.» كانت الكرات الصغيرة تنبئه بمقدار النقود التي يأخذها، والمقدار الذي يدفعه.
وكانت أمنية فرانسي أن تصبح صينية وتمتلك مثل تلك اللعبة الجميلة لتعد عليها، يا للمتعة! وتأكل كل البندق الذي تريده، وتعرف سر المكواة التي تظل ساخنة دائما، بالرغم من أنها لم توضع على موقد أبدا، يا للروعة! وتطلي الرموز بطبقة طلاء خفيفة، وتدير معصمها تلك الدورة السريعة، وتصنع علامة سوداء واضحة رقيقة كجناح الفراشة! كان ذلك هو سر الشرق في بروكلين.
17
دروس للبيانو! يا لها من كلمات سحرية! وما إن استقر المقام بأسرة نولان حتى زارت كاتي السيدة التي كتب على بابها «دروس للبيانو»، وفي هذا البيت فتاتان اسمهما الآنستان تنمور، إحداهما الآنسة ليزي لتعليم العزف على البيانو، والأخرى الآنسة ماجي لصقل الصوت وتمرينه، وتتقاضيان عن كل درس خمسة وعشرين سنتا، واقترحت كاتي نوعا من المساومة مؤداه أن تقضي ساعة في تنظيف بيت الآنستين تنمور نظير درس تتلقاه كل أسبوع.
واعترضت الآنسة ليزي محتجة بأن وقتها أكبر قيمة من وقت كاتي، وحاولت كاتي إقناعها قائلة إن الوقت هو الوقت، وأخيرا أقنعت الآنسة ليزي حتى توافق على أن الساعة هي الساعة، ورتبا الأمر بمقتضى ذلك.
وحل اليوم الذي بدأ فيه الدرس الأول، وصدرت التعليمات لنيلي وفرانسي بأن يجلسا في الحجرة الأمامية أثناء الدرس، ويفتحا عيونهما وآذانهما، ووضع كرسي للمعلمة، وجلس الطفلان متجاورين على الجانب الآخر للبيانو، وأخذت كاتي في عصبية تضبط المقعد وتعيد ضبطه، وجلس الثلاثة ينتظرون.
ووصلت الآنسة تنمور في الساعة الخامسة تماما، مرتدية ملابس الخروج بالرغم من أنها جاءت من الطابق السفلي فحسب، وعلى وجهها خمار من التل، وعلى رأسها قبعة تمثل صدر طائر أحمر وجناحه، وقد طعن صدره بدبوسين من دبابيس القبعات، وحملقت فرانسي في القبعة القاسية فأخذتها أمها إلى حجرة النوم، وهمست في أذنها بأن الطائر لم يكن طائرا على الإطلاق، وإنما هو مجموعة من الريش ألصق بعضها إلى بعض وينبغي ألا تحملق فيه ، وصدقت قول أمها، ولكن عينيها ظلتا ترتدان إلى الدمية المعذبة.
وأحضرت الآنسة تنمور معها كل شيء ما عدا البيانو، كان معها ساعة منبهة من النيكل، وآلة وقت تشحن بالبطارية، ودقت الساعة الخامسة فأعدتها لتدق في الساعة السادسة، ووضعتها على البيانو، وأخذت تستغل جزءا من وقت الساعة الثمين، فخلعت قفازها الرمادي اللؤلؤي المحكم على يديها، ونفخت في كل إصبع من أصابعه، وسوته وطوته ثم وضعته على البيانو، وفكت خمارها وألقت به إلى الخلف فوق قبعتها، وطرقعت أصابعها، واختلست نظرة إلى الساعة فشعرت بالرضا حين وجدت أنها قد استنفدت ما وسعها من دقائق الساعة، وأدارت آلة الوقت واتخذت مقعدها، وبدأ الدرس.
وخلبت آلة الوقت لب فرانسي حتى عز عليها أن تنصت لما كانت تقوله الآنسة تنمور، وأن ترقب الطريقة التي تضع بها أصابع أمها على المفاتيح، وراحت تحلم أحلاما تتمشى مع دقات الآلة الرتيبة التي تريح النفس.
صفحه نامشخص