درختی که در بروکلین رشد میکند
شجرة تنمو في بروكلين
ژانرها
وهذه الفرقة تتكون من كمان وطبلة وبوق، ورجالها يعزفون ألحانا قديمة من ألحان فيينا، وإذا قلنا إن عزفهم لم يكن عزفا بارعا، فإنه كان على الأقل صاخبا جهيرا، وكانت البنات الصغيرات يرقصن رقصات الفالس اثنتين اثنتين على جوانب الطريق في أيام الصيف الدافئة، وهناك دائما صبيان يرقصان معا رقصة تتسم بالتهريج، يقلدان بها البنات ويلكزانهن في وقاحة، وينحنيان في مبالغة شديدة حين تغضب البنات (وقد تأكدا أن عجزيهما وهما ينحنيان، سوف يلكزان بنتين أخريين من الراقصات) ويعتذران بلغة منمقة معسولة.
وتمنت فرانسي لو استطاعت أن تكون أحد هؤلاء الشجعان الذين لا يشتركون في الرقص، وإنما يقفون بجوار نافخ البوق وهو ينفخ في صوت صاخب، يمصون قثاء مخللة؛ مما جعل اللعاب يفيض في البوق، فأهاج ذلك نافخ البوق، هياجا شديدا، وكان إذا ما أثير غضبه أكثر من ذلك يطلق من فمه سلسلة من الأيمان الغليظة باللغة الألمانية، تنتهي بأصوات تشبه أن تكون: أيها اليهودي الملعون البائس، وكان معظم الألمان في بروكلين، قد اعتادوا رمي كل من يغضبهم باليهودي.
وأعجبت فرانسي بقبعة النقود، وكانت الفرقة بعد أن تعزف أغنيتين يمضي عازف الكمان ونافخ البوق في العزف، على حين يدور عازف الطبلة بالمستمعين في حركات خالية من الرشاقة، ممسكا بقبعته يتلقى البنسات التي تعطى له، ويقف على الطرف من زاوية الشارع بعد أن يجوبه، ويتطلع إلى نوافذ البيوت، فتلف النسوة بنسين في قطعة من ورق الصحف ويلقين بهما إليه، وكانت قطعة الورق ضرورية؛ لأن البنسات التي تلقى من غير أن تدور تعد النصيب الحق للصبية، فيلتفون عليها ويلتقطونها ويهبطون الشارع عدوا، وقد جرى وراءهم أحد أفراد الفرقة غاضبا، في حين أنهم لا يحاولون لسبب أو لآخر أن يحصلوا على البنسات الملفوفة، وفي بعض الأحيان يلتقطونها ويناولونها للموسيقيين، وكانت هنالك شبه سنة مرعية تجعلهم يتفقون على من يستحق هذه البنسات.
ويعزف الموسيقيون أغنية أخرى إذا حصلوا على ما يكفيهم من البنسات، أو يرحلون مؤملين أن يصادفوا أحياء أكثر رواجا إذا كان كسبهم ضئيلا، وقد ألفت فرانسي أن تجر معها نيلي وتتبع الموسيقيين في كثير من الأحيان من وقفة إلى وقفة، ومن شارع إلى آخر حتى تحل الظلمة، ويأتي الموعد الذي يتفرق فيه الموسيقيون.
ولم تكن فرانسي إلا فردا في حشد؛ لأن أطفالا كثيرين يتبعون الفرق التي من هذا القبيل، ومعظم البنات الصغيرات يسحبن معهن أخواتهن وإخوتهن الصغار، بعضهم في عربات صغيرة صنعت بالبيت، والبعض الآخر في عربات أطفال سقطت حشياتها.
وكانت الموسيقى تسحر ألبابهن، حتى إنهن كن ينسين البيت والأكل، وكان الأطفال الصغار يبكون ويبللون سراويلهم، ثم ينامون مرة أخرى.
كل هذا ولحن «الدانوب الأزرق الساحر» يمضي في العزف إلى ما شاء الله.
وظنت فرانسي أن الموسيقيين يعيشون حياة ممتعة، فدبرت أمرا؛ ذلك أنها قررت حين يكبر نيلي أن تجعله يعزف على الأكورديون وتدق هي على الدف ويمضيان في الطرقات ويلقي إليهما الناس بالبنسات فيجمعان ثروة، ولا تضطر أمها إلى الاشتغال بعد ذلك.
وفرانسي تؤثر الأرغن بالرغم من أنها تتبع الفرقة، وكان يقبل بين الحين والحين رجل يحمل أرغن صغيرا، يجثم على قمته نسناس يلبس سترة حمراء، لها شريط ذهبي وقبعة حمراء صنعت من صندوق الدواء، وربطت بحزام تحت ذقنه.
وفي سرواله الأحمر فتحة تكفي لأن يخرج ذيله منها، وأحبت فرانسي ذلك النسناس، وكانت تعطيه حلواها الغالية التي تشتريها ببنس، لا لشيء إلا لتستمع برؤيته يقلب قبعته، وتخرج أمها إذا كانت بالبيت، ومعها البنس الذي ينبغي أن تضعه في الحصالة وتعطيه لصاحب النسناس، مغلظة عليه ألا يسيء معاملة النسناس، فإن أساء معاملته واكتشفت ذلك فإنها خليقة بأن تبلغ عنه. ولم يكن الرجل الإيطالي ليفهم قط كلمة مما تقول، ولكنه كان يجيب دائما جوابه المعهود، إذ يخلع قبعته وينحني في ذلة، وهو يلوي ساقه قليلا ويصيح في حماسة: سمعا وطاعة!
صفحه نامشخص