درختی که در بروکلین رشد می‌کند

نوال السعداوي d. 1442 AH
144

درختی که در بروکلین رشد می‌کند

شجرة تنمو في بروكلين

ژانرها

وقالت للمرأة المتوترة الأعصاب: غيارى، لأن الرجال يحبونني، هذا هو السبب، لقد حالفك الحظ لأنك تزوجت من قبل، ولست خليقة بأن تحصلي على رجل على نحو آخر، إني أراهن أن زوجك يبغضك، ويعاشرك رغما عنه، إني أراهن أن تلك هي حاله تماما.

وصرخت المرأة المتوترة الأعصاب، وقد تملكتها نوبة عصبية: أيتها العاهرة! أيتها العاهرة!

ثم التقطت حجرا من مصرف الماء، وألقته على جوانا وقد دفعتها غريزة كانت، ولا تزال تتملك النفوس.

وكان ذلك إشارة للنساء الأخريات، فبدأن يلقين الحجارة عليها، وألقت عليها امرأة أكثر مجونا من الأخريات كرة من روث الجياد، وأصابت بعض الحجارة جوانا، لكن حجرا حاد الطرف أخطأ جوانا وأصاب جبين الطفل، وانساب على الفور خيط رفيع صاف من الدم على وجه الطفل ولوث «مريلته» النظيفة، وصاح الطفل صيحات متقطعة، ورفع ذراعيه لأمه لتحمله.

وتوقفت بعض النساء عن إلقاء مزيد من الحجارة، وأسقطوها في هدوء في المصرف مرة أخرى، وانتهى العراك كله، وشعرت النساء فجأة بالخزي، فلم يكن قصدهن إيذاء الطفل، وإنما أردن أن يطردن جوانا من الشارع، وتفرق شملهن وعدن إلى بيوتهن في هدوء، واستأنف بعض الأطفال، الذين كانوا واقفين هناك ينصتون، لعبهم وكأن شيئا لم يحدث.

وحملت جوانا التي كانت تبكي، طفلها من العربة، واستمر الطفل في الصياح بصوت خفيض، كأنما لم يكن له حق في البكاء بصوت عال، وضغطت جوانا خدها على وجه الطفل واختلطت دموعها بدمه، لقد انتصرت النساء، وحملت جوانا طفلها إلى البيت، غير عابئة بتركها العربة واقفة في وسط الممر الجانبي.

وكانت فرانسي قد رأت كل شيء ... رأت كل شيء ... وسمعت كل كلمة، وتذكرت كيف أن جوانا ابتسمت لها، وكيف أنها أشاحت بوجهها عنها دون أن ترد ابتسامتها، لم لم ترد ابتسامتها؟ لم لم ترد ابتسامتها؟ إنها سوف تتعذب، سوف تتعذب بقية حياتها كلما تذكرت أنها لم ترد ابتسامتها.

وبدأ بعض الصبيان الصغار يلعبون لعبة المحاورة حول العربة الفارغة، ويمسكونها من جانبيها ويشدونها وهم يطاردون بعضهم بعضا، وفرقتهم فرانسي، وجرت العربة إلى باب بيت جوانا ثم أوقفتها، وكان العرف يقضي بألا يمس أحد أي شيء يقف خارج باب البيت الذي ينتمي إليه هذا الشيء.

وكانت فرانسي لا تزال تمسك بالمجلة التي تشتمل على قصتها، ووقفت بجوار العربة ونظرت إلى اسم القصة مرة أخرى «موسم الشتاء بقلم فرانسيس نولان»، وأرادت أن تفعل شيئا، أرادت أن تضحي بشيء لتكفر عن عدم ابتسامتها لجوانا، وفكرت في قصتها وكانت فخورا بها، مشغوفة كل الشغف بأن تريها لأبيها وخالتيها إيفي وسيسي، وأرادت أن تحتفظ بها دائما لتنظر إليها حتى يسري في كيانها ذلك الشعور الدافئ الممتع الذي تحسه حين تنظر إليها، وما كان لديها من وسيلة تحصل بها على نسخة أخرى من المجلة، لو أنها تخلت عن النسخة التي معها، ودست المجلة تحت وسادة الطفل وتركتها مفتوحة عند الصفحة التي كتبت فيها قصتها.

ورأت بعض قطرات صغيرة من الدم على وسادة الطفل البيضاء الناصعة، ومرة أخرى رأت الطفل وخيط الدم الرفيع ينساب على وجهه، وكيف كان يرفع ذراعيه لتحمله أمه، واستولت على قلب فرانسي موجة من الألم، لم تتركها إلا بعد أن حلت بها الدهشة وانتابتها موجة أخرى، ثم توقفت، وانحسرت، وشقت فرانسي طريقها هابطة إلى مخزن المؤن في بيتها، حيث جلست في أظلم ركن على كوم من أكياس الخيش، وانتظرت هناك، على حين راحت موجات الألم تعصف بها، وكانت ترتعد كلما انحسرت موجة لتحل محلها موجة جديدة، جلست هناك مشدودة الأعصاب تنتظر حتى يتوقف سيل تلك الموجات، وكانت خليقة بأن تموت إذا لم تتوقف، أجل كانت خليقة بأن تموت.

صفحه نامشخص