درختی که در بروکلین رشد می‌کند

نوال السعداوي d. 1442 AH
129

درختی که در بروکلین رشد می‌کند

شجرة تنمو في بروكلين

ژانرها

وخطرت لها تلك الأفكار عن التعليم وهي تراقب الطفلين، يناضلان في الصعود بالشجرة على السلم، وتستمع إلى صوتيهما اللذين لا يزالان يتسمان بالطفولة.

وفكرت: إن فرانسي ذكية يجب أن تذهب إلى المدرسة الثانوية، وقد تصل إلى ما بعد ذلك ، إنها تميل إلى التعليم، وسوف تكون امرأة ذات شأن في يوم ما، ولكنها سوف تبتعد عني حين تتعلم، بل إنها تعرض عني من الآن، إنها لا تحبني كما يحبني الصبي، وإني لأشعر بها وهي تنأى عني، إنها لا تفهمني، وكل ما تفهمه هو أنني لا أفهمها، ومن المحتمل أن تخجل مني ... من طريقة كلامي حين تحصل على التعليم، ولكنها ستكون ذات خلق قوي فلا تظهر شعورها وتحاول أن تعيرني، بل تأتي إلي لتراني وتحاول أن تساعدني كي أعيش حياة أفضل، وسوف أكون وضيعة معها لأنني سأشعر أنها أرقى مني، ولسوف تدرك من كنه الأشياء الشيء الكثير حين يشتد عودها، وتعرف الكثير مما يضفي على حياتها السعادة، ولسوف تكتشف أنني لا أحبها كما أحب الصبي، ولا حيلة لي في ذلك ولكنها لن تفهم، بل إني لأظن أحيانا أنها تعرف هذا الأمر الآن، إنها ستبتعد عني كلما كبرت، وسوف تكافح سريعا من أجل أن تمضي بعيدا عني، وكانت أولى خطواتها نحو البعد عني هو انتقالها إلى تلك المدرسة البعيدة، ولكن نيلي لن يتركني أبدا؛ ولهذا فإنني أحبه أكثر، إنه سيتعلق بي وسيفهمني، وإني لا أريد له أن يصبح طبيبا، بل يجب أن يصبح طبيبا، وقد يعزف على الكمان أيضا، فإن حب الموسيقى يجري في دمه، وقد ورث ذلك عن أبيه؛ ولهذا تقدم في العزف على البيانو أكثر مني أو من فرانسي، أجل، إن حب الموسيقى يجري في دم أبيه، ولكنه لم يجن من ذلك خيرا، بل لقد حطمته الموسيقى.

فلو أنه كان لا يستطيع الغناء لما سعى إلى صحبته هؤلاء الرجال الذين يدعونه إلى شرب الخمر، وما جدوى إجادته الغناء ما دام ذلك لا يفيده أو يفيدنا في شيء؟ وسوف يكون الأمر مختلفا بالنسبة للصبي، إنه سوف يتعلم ويجب علي أن ألتمس الطرق التي تحقق ذلك، وسوف لا يعيش جوني بيننا طويلا، يا إلهي! لقد أحببته كل الحب زمنا، بل أشعر أحيانا بأنني لا أزال أحبه، ولكنه تافه ... تافه، وليغفر الله لي ؛ لأنني اكتشفت ذلك.

وهكذا تصورت كاتي كل شيء في الدقائق التي أنفقوها في صعود السلم، وكان الناس وهم يتطلعون إليها، إلى وجهها الناعم الجميل الذي يفيض حيوية، لا تخطر ببالهم تلك النتائج الأليمة التي استقرت في عقلها.

ونصبوا الشجرة في الحجرة الأمامية بعد أن فرشوا ملاءة؛ لتحمي السجادة ذات الزهور القرنفلية، من أن تسقط عليها أشواك الصنوبر، ووقفت الشجرة في دلو كبير من القصدير، وقد أسندت بكسر من الآجر لتظل واقفة، وانتشرت فروعها حتى ملأت الحجرة كلها حين قطع الحبل عنها، وتدلت أغصانها على البيانو، وبدت بعض الكراسي كأنها تقف وسط الفروع، ولم يكن لديهم مال ليشتروا زينات للشجرة، أو أنوارا، ولكن الشجرة الكبيرة كانت كافية وهي تقف هناك، وكانت الحجرة باردة، والسنة التي تمر بهم سنة معسرة، فلم يستطيعوا شراء مزيد من الفحم يشعلون به موقد الحجرة الأمامية، وشاع في الغرفة جو من البرودة والنظافة والرائحة العطرة، وأخذت فرانسي في كل يوم من أيام الأسبوع الذي وقفت فيه الشجرة في الحجرة، ترتدي سترتها وقبعتها الخاصة وتذهب لتجلس تحت الشجرة، وتستمتع برائحتها، وما اكتست به من خضرة داكنة.

آه! ما أمتع ذلك الغموض الذي يحيط بشجرة عظيمة حبست داخل دلو ولو من القصدير في حجرة أمامية بمسكن من المساكن!

وبدأ عيد الميلاد في غاية من البهاء بالرغم مما هم عليه من عسر في تلك السنة، ولم يشعر الطفلان بأي نقص في الهدايا؛ لأن أمهما أعطت كلا منهما زوجا من السراويل الصوفية الطويلة، من الطراز ذي الأزرار الذي يفتح من أعلى، وقميصا صوفيا له أكمام طويلة خشنة، وأعطتهما الخالة إيفي هدية مشتركة، وهي صندوق من لعبة الدومينو، وشرح لهما أبوهما طريقة لعبها، ولكن نيلي لم يحب اللعبة، فلعب الأب وفرانسي معا وتظاهر هو بالامتعاض حين خسر اللعبة.

وأحضرت الجدة ماري روملي شيئا جميلا جدا صنعته بنفسها، جلبت لكل منهما، حرملة صنعتها بأن قطعت قطعتين صغيرتين بيضيتين من الصوف الأحمر الزاهي، وطرزت على إحداهما صليبا «بشلة» زرقاء واهية، وطرزت على الأخرى قلبا ذهبيا توج بتيجان بنية اللون، ويخترق القلب خنجر أسود تتساقط من طرفه قطرتان من الدم الأحمر الداكن، وكان الصليب والقلب صغيرين جدا، صنعا بغرز لا ترى إلا بالمجهر، ثم حاكت القطعتين البيضيتين معا ووصلتهما بخيط من خيوط المشدات، وأخذت ماري روملي الحرملتين لتباركهما عند القس قبل أن تحضرهما إلى الطفلين، وقالت وهي تزحلق الحرملة فوق رأس فرانسي: عيد ميلاد مقدس.

ثم أضافت: صحبتك الملائكة دائما!

وأعطت الخالة سيسي لفرانسي ربطة صغيرة، فتحتها فوجدت فيها صندوقا صغيرا من صناديق أعواد الثقاب، وكان صندوقا رقيقا جدا يغطيه ورق مجعد، نقش على قمته غصن مصغر من زهر الوسطار الأرجواني، وفتحت فرانسي الصندوق فوجدت به عشرة أقراص لف كل قرص منها في نسيج قرنفلي اللون، واتضح أن الأقراص ما هي إلا بنسات ذهبية زاهية، وبينت سيسي أنها اشترت من قبل مقدارا من مسحوق طلاء ذهبي اللون، وخلطته بقليل من زيت الموز، ثم ذهبت به كل بنس، وأحبت فرانسي هدية سيسي أكثر من أي هدية أخرى، وكانت تفتح الصندوق في بطء عشرات المرات في الساعة التي تسلمته فيها، وتشعر بلذة كبيرة حين تمسك الصندوق وتنظر إليه، وتراقب الورق الأزرق الكوبالتي فتظهر رقيقة الخشب الرفيعة النظيفة التي في داخله، وكانت البنسات الذهبية الملفوفة في قماش كأنه من نسيج الأحلام بدعة لا تذهب جدتها، واتفقت آراء الجميع على أن البنسات أجمل من أن تنفق، لكن فرانسي فقدت اثنين منها أثناء اليوم في مكان ما، واقترحت أمها وضع البنسات في الحصالة المصنوعة من الصفيح حتى تكون في مأمن، وقالت: إن فرانسي تستطيع أن تستردها حين تفتح الحصالة، وكانت فرانسي على يقين من أن أمها محقة في قولها إن البنسات تكون في مأمن إذا وضعت في الحصالة، على أن إسقاط هذه البنسات الذهبية في ظلام الحصالة كان أمرا يحز في النفس.

صفحه نامشخص