90

وتثاءب طويلا وهو يقول: سعيد من يبلغ هذا العمر وهو مرتاح الضمير!

وأسلم للصمت ليسترد حيويته، وأعجبه أن يسبح في صمت عميق؛ لولا أن تناهى إلى سمعه حفيف ثوب أو تردد أنفاس. فتح عينيه فرأى في وسط البهو تقريبا عجوزا مهلهل الثياب، أعور حافي القدمين. تساءل: من؟

وأمعن النظر، ثم قال بدهشة: جارنا القديم المسكين!

ولم ينبس العجوز بكلمة، فقال الرجل: ذكريات الصبا التي لا تنسى، كيف صعدت إلى شقتي في الدور الخامس والثلاثين؟

لم يتكلم العجوز ولم تند عنه رغبة في الكلام، فقال: أدفعتك الحاجة إلى المجيء؟

وانتظر عبثا أن يتكلم، ثم تساءل: أتريد كالزمن الأول بعض النقود أو الملابس القديمة؟

تراجع العجوز خطوات، فقال الرجل: خطرت على بالي مرات فظننتك انتقلت إلى دار البقاء!

ولأول مرة قال العجوز بصوت بارد: لم يخب ظنك! - حقا؟! - حقا! - كأنما جئت تحية لعيد الميلاد.

فقال بصوت غليظ: عليك اللعنة! - اللعنة؟ - وعلى جميع المجرمين!

وتراجع أكثر فاختفى تماما؛ اختفى قبل أن يطفئ وقدة تساؤلاته، قبل أن يجلو سر غضبه عليه وتنكره لإحسانه. وتساءل: ماذا يقع في العالم الآخر من أمور يشق على عقولنا هضمها؟

صفحه نامشخص