وقال مصطفى: أحيانا أرثي لك، وأحيانا أغبطك.
فلمعت عيناه في انتصار، فاستطرد مصطفى: إني أنطلق في حياتي المزدحمة كالصاروخ، ولكني ربما تذكرت في يوم من أيام الخماسين أني أطوي جوانحي على فشل قديم، وربما اعترضني سؤال شيطاني عن معنى وجودي، ولكني سرعان ما أدفنه في الأعماق كذكرى مخزية.
وسفعت رياح شتوية نوافذ المكتب، وانقلب الأصيل ليلا، فاستطرد الذي يتحدى البرد بصلعته: لماذا نسأل؟ الحكاية أن العقيدة كانت تعطينا معنى متكاملا، وأننا نحاول أن نملأ الفراغ تحقيقا لقانون طبيعي. وأمس ثرت على لحظة ضعف ألمت بي، وقلت إن تعليقاتي الفنية لها معنى، وبرنامج الماضي والحاضر بالراديو له معنى، وتمثيلياتي في التلفزيون لها معنى، ولا يحق لي أن أسأل بعد ذلك. - يا لك من فارس!
وتمادى في تعداد انتصاراته قائلا: وأمس ثبت لي أنني قادر على حب زوجتي لدرجة لا تصدق، حتى إنني اقترحت على رئيس التحرير أن أسجل الليلة في «خبر الأسبوع الفني». أما ابني عمر الذي سميته للأسف باسمك فمراهق شكس، واهتمامه بالكرة يماثل اهتمامنا القديم بقلب العالم رأسا على عقب.
قلب العالم رأسا على عقب انتهى في السجن، وسوف يخرج يوما ما، بعد بضعة أعوام، وسوف تتلاقى الأعين في دهشة مزعجة، فليكترث بذلك غيري.
وقال مصطفى بلهجة أكثر جدية:
اقترح علي رئيس التحرير أن ألقي محاضرات عن التوعية الاشتراكية على موظفي وعمال الدار. - بأي صفة؟ - بصفتي اشتراكيا عتيقا. - وقبلت طبعا؟ - طبعا، ولكني أتساءل: ما دامت الدولة تحتضن المبادئ التقدمية وتطبقها، أليس من الحكمة أن نهتم بأعمالنا الخاصة؟ - كأن تبيع اللب والفشار، وتتساءل عن معنى الوجود! - أو أعشق لأبلغ اليقين. - أو تسقط مريضا بلا علة.
وراحا يدخنان في صمت، وإذا بعمر يسأله: كيف حالهم؟
ابتسم مصطفى، وقال: زينب عال، استردت رصانتها، ولكنها مرهقة بالحمل، وثمة خبر يجب أن تعلمه.
تجلى اهتمام في عينيه، فقال الآخر: إنها تفكر في أن تبحث عن عمل بعد الولادة.
صفحه نامشخص