أنت تتحدث عن المسرح ولكني شاعر، وأنا ملقى في دوامة لا نجاة منها إلا بالشعر، فهو غاية وجودي، وإلا بالله خبرني ماذا نصنع بالحب الذي يكتنفنا كالهواء، والأسرار التي تلفحنا كالنار، والكون الذي يرهقنا بلا رحمة؟ فلا تكن مكابرا يا صديقي. - زيديني شرحا.
قالت، وهي تسترد شجاعتها المألوفة: كأنني أبحث عن أنغام في الهواء! - قول جميل يا بثينة، وهو كذلك ما دام لا يفسد علينا الحياة. - ماذا تقصد يا بابا؟ - أعني دراستك، ومستقبلك، ولكن آن لي أن أطلع على شعرك.
أتته بكراسة مغلفة بورق مفضض. وباحترام، وحب، وإشفاق، ولهفة راح يقرأ. وتخلل قراءته عام 1935 مداعبا ومعترضا. عهد الحرمان، والأمل، والأسرار، والاضطراب المطوق للعباد، وأحلام المدينة الفاضلة. ثم صوت عثمان، وهو يرتعش هاتفا: عثرت على الحل السحري لجميع المشاكل.
ولكن البنت عاشقة، وربي إنها لعاشقة، البرعمة التي لم تتفتح بعد. من هو ذو الجمال، الذي السحاب أنفاسه، والشمس مرآته، الذي تتمايل الأغصان شوقا إليه ؟ لماذا نضطرب إذا كرر الأبناء سيرتنا؟ وما رأي أبي إذا سمعني أحدث حفيدته في الحب؟ - هذا شعر حقا!
تألق الفرح أخضر في عينيها، وصاحت: حقا؟ - شعر جميل. - أنت تشجعني يا بابا ليس إلا. - بل أقول الحق.
ونظر في عينيها، ثم سأل باسما: ولكن من هو؟
فانطفأت شعلة الحماس في عينيها، وتساءلت في شيء من الخيبة: من ...؟ - من المقصود بالترانيم؟
ثم بنبرة ثقة: لم يعرف السر مكانا بيننا.
فقالت بإلغاز لم يخل من فتور: ليس أحدا من الناس! - ترى ألم أعد الصديق الأب؟ - بلى، ولكنه ليس أحدا من الناس. - يهمني أن أعرفه بعد إذنك. - ولكني أقول: إنه ليس أحدا من الناس. - أهو من الملائكة؟ - ولا من الملائكة. - ماذا هو إذن ... حلم ...؟ رمز؟
في حيرة واضحة: لعله ... هو غاية كل شيء.
صفحه نامشخص