وبعد أيام قدم المعتمد إلى الجزيرة الخضراء في ثلة من عسكره، فلما قابل ابن تاشفين تعانقا عناق الحبيب للحبيب، وامتزجت دموع السرور منهما بدموع الحب والإشفاق.
وفي هذه الأثناء كانت جيوش ملوك الطوائف تفد على إشبيلية براياتها وقوادها كأنها الأمواج تلتقي على شاطئ المحيط.
ثم تحركت جيوش ابن تاشفين إلى إشبيلية، وأقامت بها قليلا، ووصل خبر قدوم جيش ابن تاشفين إلى ألفونسو وهو بطليطلة فنادى بالحشد العظيم، وجمع جموعا كثيفة العدد من الجلالقة والفرنجة، وعزم على أن يقودها بنفسه.
ولما نظر فرأى جيوشه تسد الأفق، التفت إلى أكبر قواده الكونت الڤيرفانز، وتسميه العرب «البرهانس» وقال: بهؤلاء أقاتل الجن والإنس وملائكة السماء.
وفي صباح اليوم، هب ألفونسو من نومه قلقا؛ لأنه رأى رؤيا عجيبة لم يستطع لها تأويلا، فجمع القساوسة النصارى وأحبار اليهود وقال: رأيت فيما يرى النائم: أني أركب فيلا - والفيل ليس في بلادنا، ولم يخطر ببالي ذكر له قبل نومي - وأن أمامي رجلا يدق طبلا. فتحيروا في تعبير هذه الرؤيا، وقالوا: رأيت خيرا أيها الملك، إن هذه الرؤيا دليل النصر، ولكن ألفونسو لم يثق بهم، وهز رأسه قلقا مضطربا، وتسرب أحد اليهود حتى أتى مسجد طليطلة، فقابل الشيخ أبا عبد الله المغامي وقص عليه الرؤيا، ونسبها لنفسه، فقال له الشيخ: كذبت، ما هذه الرؤيا لك، ولن أعبرها إلا إذا صدقتني.
فقال: إنها رؤيا الأذفونش . فقال الشيخ: الآن صدقت فلن يرى هذه الرؤيا غيره ... اذهب بي إليه؟
فذهبا إلى ألفونسو، فقال له الشيخ: أيها الأذفونش! إن هذه الرؤيا تدل على بلاء عظيم، ومصيبة فادحة تقع عليك وعلى عسكرك، وتفسير الفيل في قوله تعالى:
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل ، وتفسير الطبل من قوله تعالى:
فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسي * على الكافرين غير يسير .
فهاج غضب ألفونسو وقال: والله لئن ظهر كذبك يا شيخ لأقطعن جسمك لكلاب الصيد. فابتسم المغامي وقال: وإن صدقت فلن تنالني يدك! ثم تحركت جيوش ألفونسو، وتحركت جيوش ابن تاشفين حتى وصلت إلى مكان بالقرب من بطليوس يعرف بالزلاقة، وأقام بعسكره بعيدا عن عسكر ابن عباد، وهنا أرسل ابن تاشفين - على عادة الغزاة - كتابا إلى ألفونسو يدعوه فيه إلى إحدى سبل ثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو القتال. فسخر ألفونسو من الكتاب، وبعث يقول لابن تاشفين: إن اليوم الخميس، وغدا الجمعة وهو عيد المسلمين، وبعده السبت وهو عيد اليهود، ثم الأحد وهو عيد النصارى، وأرى أن نلتقي يوم الاثنين.
صفحه نامشخص