كان أبو القاسم هذا في نحو الثلاثين، قوي البنيان فارها، يدل ضيق عينيه على المكر والخديعة، وتدل رقة شفتيه على القسوة والصرامة، ويدل صيد في رأسه على اعتزاز بالنفس، وعلى عزيمة لا تترك ثأرا ولا تصفح عن ذنب. قال المعتمد: وكيف تركت المعتضد؟؟ - في أوج عزه ... فقد دان غرب الجزيرة كله، وأصبح له الملوك خولا وأتباعا، فملأ مديحه كل فم، وجوده كل كف.
فصاح المعتمد: غني يا فتنة بما قلته في أبي:
يا ملكا قد أصبحت كفه
ساخرة بالعارض الهاطل
قد أفحمتني منة مثلها
يضيق القول على القائل
وإن أكن قصرت في وصفها
فحسنها عن وصفها شاغلي
واستمر اللهو والضحك والمجون ساعات.
ثم التفت المعتمد وقال: أين ابن عمار؟ ... يا سيف ... اذهب فانظر في أي مكان من القصر هو. فذهب سيف وقال: بحثت في كل الحجرات يا مولاي فلم أجده، وسألت حراس الباب فقالوا: إنهم لم يشهدوه خارجا. فبدا الاختبال على وجه المعتمد وكأنما فقد نفس الحياة، فقام وقال: هات شمعة يا سيف لأبحث عنه معك.
صفحه نامشخص