شاعر أندلسي وجائزة عالمية
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
ژانرها
المهر الخصي
كان أسود، له شيات من القرمز والعشب والفيروز، سواد مفضض كالجعل والغربان، وتومض في عينيه الفتيتين لمحة بعد لمحة، نار متقدة بالحياة، كالجمر في موقد (رامونا) بائعة القسطل بميدان المركيز. وكم له من طرقات متداركات بحوافره الصلاب، وهو يخب إلى المدينة من جانب الرميلة إزاء صوى
2
الشارع الجديد. ما أخف! ما أسرع! ما أنفذ وأمضى! وهو يشيل برأسه الصغير ويعدو بقوائمه الدقاق.
ويمضي على نمطه الرائع في طلاقة وكبرياء ولعب، على باب المعصرة الوطيء، وهو أحلك سوادا منه قبالة الشمس المحمرة: شمس القلعة التي شخصت هناك كأنها بطانة الروات. ثم جاوز أرومة الصنوبر التي وضعوها مكان العتبة، فملأ الرحبة في المعصرة بهجة وطربا وزقا، من أفواه الدجاج والحمائم والعصافير، وترقبه ثمة رجال أربعة عقدوا أذرعتهم الشعراء على قمصان شتى الخطوط والنقوش، فاحتملوه إلى شجرة الفلفل، وألقوا به على كومة المعصرة بعد فترة من العراك العطوف لم تلبث أن استطردت إلى عراك عنيف، وجلسوا عليه إذ مضى البيطار (داربون) ينجز عمله، ويختم محاسن المهر الجميل، كما قال شكسبير لصديقه الذي لم يتزوج: «جمالك البديع يموت معك وتبذله فهو جلادك القاضي عليك ...» وصار المهر حصانا وديعا يتصبب عرقا، في حزن وإعياء، ولم يكلفهم غير رجل واحد يقوده ويغطيه ويسير به على مهل في الطريق.
سحابة مجدية كانت بالأمس مشحونة بالبروق، فإذا هي اليوم مروضة ذلول، وإنه اليوم كأنه كتاب غير مضموم، وإنه لا يخطو على الأرض بعد أن عزلت الحدوة بينها وبين حافره بعنصر غريب، وتركته لا يحس وقع قدميه؛ شجرة مجتثة كالذكرى في حومة ذلك الصباح من أيام الربيع.
بيت في عرض الطريق
بلاتيرو! إن ذلك البيت في عرض الطريق قد كان في صباي يلقاني أبدا بسحر عظيم.
وبدأت (أولا) في سكة (ربيرا) بمنزل (أربورا) السقاء ورحبته إلى الجنوب مذهبة أبدا بأشعة ذكاء، أطل منها علي كلما علوت جدار البستان، ويأذنون لي من حين إلى حين أن أدخلها ومعي ابنة السقاء، أحسبها يومئذ امرأة - وهي اليوم كذلك بعد الزواج - فتمنحني هنالك سفرجلا حلوا وقبلات.
ثم يأتي الشارع الجديد، ثم كانوفاس، ثم جوان فراي پيريز، مسكن دون جوزي حلواني إشبيلية الذي كان يبهرني بحذائه الأصفر من جلد الجداء، ويزين الشجر المعمر بقشور البيض، ويطلي باب الدهليز بلون الكنار موشعا بالخطوط الزرقاء، وربما زارنا بالمنزل حيث ينقده والدي شيئا من المال، ويستمع إلى حديثه عن مروج الزيتون، وكم من أحلام صباي هزته شجرة الآس العتيقة تلك التي كنت أراها من شرفتي مزدحمة بالعصافير فوق سقف دون جوزي. وكانت هناك - في نظري - شجرتان للآس لم أحسبهما قط شجرة واحدة: إحداهما التي كنت أغانيها من الشرفة قمة عالية بشمسها وهوائها، وأخرى كنت أراها في رحبة دون جوان من جذعها إلى أعلاها.
صفحه نامشخص